كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الحج (اسم الجزء: 2)

قَالَتْ: " «قَدَّمَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَنْ قَدَّمَ مِنْ أَهْلِهِ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ، قَالَتْ: فَرَمَيْتُ الْجَمْرَةَ بِلَيْلٍ، ثُمَّ مَضَيْتُ إِلَى مَكَّةَ، فَصَلَّيْتُ بِهَا الصُّبْحَ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى مِنًى» ".
قَالُوا: وَمِنَ الْمَنْزِلِ إِلَى مَكَّةَ نَحْوٌ مِنْ سَبْعَةِ أَمْيَالٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَمِنْ مَوْقِفِ الْإِمَامِ بِعَرَفَةَ إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بَرِيدُ، اثْنَا عَشَرَ مِيلًا.
وَمَنْ يَسِيرُ إِلَى مِنًى وَيَرْمِي الْجَمْرَةَ وَيَطُوفُ لِلْإِفَاضَةِ، ثُمَّ يُصَلِّي الصُّبْحَ، لَا يَقْطَعُ سَبْعَةَ أَمْيَالٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَفَاضَ بِلَيْلٍ.
وَلِأَنَّ أَكْثَرَ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ جَمِيعِهِ، فَإِذَا بَاتَ أَكْثَرَ اللَّيْلِ بِالْمُزْدَلِفَةِ صَارَ فِي حُكْمِ مَنْ بَاتَ جَمِيعَهَا، لِمَا رَخَّصَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْإِفَاضَةِ مِنْهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ.
فَعَلَى هَذَا: الْعِبْرَةُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ الْمُنْقَضِي بِطُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ بِطُلُوعِ. . .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَجُوزُ الْإِفَاضَةُ قَبْلَ مَغِيبِ الْقَمَرِ، وَإِنَّمَا يَغِيبُ قَبْلَ الْفَجْرِ بِمَنْزِلَتَيْنِ مِنْ مَنَازِلِ الْقَمَرِ، وَهُمَا أَقَلُّ مِنْ سَاعَتَيْنِ.
قَالَ - فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ أَيْضًا -: لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ جَمْعٍ حَتَّى الْقَمَرَ. وَأَكْثَرُ نُصُوصِهِ عَلَى هَذَا ; لِأَنَّ الَّذِي فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ لِلضَّعَفَةِ أَنْ يُفِيضُوا مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ، وَلَمْ يُؤَقِّتْهُ، بَلْ إِنَّمَا قَدَّمَهُمْ فِي وَجْهِ السَّحَرِ.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ: " يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ، فَيَقُومُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ

الصفحة 617