كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الحج (اسم الجزء: 2)

تُفِيضَ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ، فَأَذِنَ لَهَا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَيْتَنِي كُنْتُ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا اسْتَأْذَنَتْهُ سَوْدَةُ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ إِلَّا مَعَ الْإِمَامِ» ".
وَفِي رِوَايَةٍ: «وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا اسْتَأْذَنَتْهُ سَوْدَةُ، فَأُصَلِّي الصُّبْحَ بِمِنًى، فَأَرْمِي الْجَمْرَةَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ النَّاسُ، فَقِيلَ لِعَائِشَةَ: فَكَانَتْ سَوْدَةُ اسْتَأْذَنَتْهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، إِنَّهَا كَانَتْ ثَقِيلَةً ثَبِطَةً فَاسْتَأْذَنْتُ لَهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَذِنَ لَهَا» "، وَفِي رِوَايَةٍ: " «اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ تَدْفَعُ قَبْلَهُ، وَقَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ، وَكَانَتِ امْرَأَةً ثَبِطَةً، يَقُولُ الْقَاسِمُ: وَالثَّبِطَةُ الثَّقِيلَةُ، قَالَتْ: فَأَذِنَ لَهَا، فَخَرَجَتْ قَبْلَ دَفْعِهِ، وَحُبِسْنَا حَتَّى أَصْبَحْنَا، فَدَفَعْنَا بِدَفْعِهِ، وَلَأَنْ أَكُونَ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا اسْتَأْذَنَتْهُ سَوْدَةُ، فَأَكُونُ أَدْفَعُ بِإِذْنِهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَفْرُوحٍ بِهِ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَلَوْ كَانَ الْإِذْنُ فِي الدَّفْعِ قَبْلَ الْإِمَامِ عَامًّا لِلنَّاسِ، لَمْ تَسْتَأْذِنْهُ عَائِشَةُ لِسَوْدَةَ، وَلَوْ فَهِمَتْ - وَهِيَ السَّائِلَةُ لَهُ - أَنَّ إِذْنَهُ لِسَوْدَةَ إِذْنٌ لِكُلِّ النَّاسِ لَمْ تَتَأَسَّفْ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَسْتَأْذِنْهُ لِنَفْسِهَا، وَهِيَ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا سَأَلَتْهُ وَمَا أَجَابَهَا، وَإِنَّمَا كَانَتِ الرُّخْصَةُ مَقْصُورَةً عَلَى ذِي الْعُذْرِ، فَخَشِيَتْ عَائِشَةُ أَنْ لَا تَكُونَ هِيَ مِنْ جُمْلَةِ أُولِي الْأَعْذَارِ، فَبَنَتْ عَلَى الْأَصْلِ.
وَأَيْضًا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: " أَرْخَصَ فِي أُولَئِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي لَفْظٍ:

الصفحة 622