كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الحج (اسم الجزء: 2)

لَمْ يَبِتْ بِهَا لَيْلًا - وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ بِهَا نَهَارًا -: لَمْ يَكُنْ مُقِيمًا بِهَا، وَلَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ إِتْيَانِهِ مِنًى لِرَمْيِ الْجِمَارِ، وَإِتْيَانِهِ مَكَّةَ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالْوَدَاعِ.
وَالْآيَةُ: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي شُرِعَ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ، وَجُعِلَ ذَلِكَ الْمَكَانُ وَالزَّمَانُ عِيدًا ; لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ فَعَلُوا ذَلِكَ ; وَلِأَنَّ الْعَبَّاسَ " «اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَاسْتِئْذَانُ الْعَبَّاسِ: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مَمْنُوعِينَ مِنَ الْمَبِيتِ بِهَا، وَإِذْنُهُ لَهُ مِنْ أَجْلِ السِّقَايَةِ: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤْذَنُ فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ بِغَيْرِ عُذْرٍ.
وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ مِنًى عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ» ".
وَالْعِيدُ: هُوَ الْمُجْتَمَعُ لِلْعِبَادَةِ ; فَيَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ يَجْتَمِعُونَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ , وَمِنًى: وَأَيَّامُ مِنًى، لَا بُدَّ أَنْ يَجْتَمِعُوا، وَهُمْ لَا يَجْتَمِعُونَ نَهَارًا لِأَجْلِ مَصَالِحِهِمْ، فَإِنَّهُمْ يَرْمُونَ الْجِمَارَ مُتَفَرِّقِينَ، فَلَا بُدَّ مِنَ الِاجْتِمَاعِ لَيْلًا.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " لَا يَبِيتَنَّ أَحَدٌ مِنَ الْحَاجِّ مِنْ وَرَاءِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَكَانَ يَبْعَثُ إِلَى مَنْ وَرَاءَ الْعَقَبَةِ، فَيَدْخُلُونَ مِنًى " رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَهَذَا لَفْظُهُ.
وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: " لَا يَبِيتَنَّ أَحَدٌ مِنَ الْحَاجِّ وَرَاءَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَكَانَ يُرْسِلُ رِجَالًا فَلَا يَجِدُونَ أَحَدًا شَذَّ مِنْ

الصفحة 642