كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الحج (اسم الجزء: 2)

وَلِأَنَّ الْآيَةَ تَقْتَضِي أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالذِّكْرِ عِنْدَ الْمَشْعَرِ حِينَ الْإِفَاضَةِ وَعَقِبَهَا، فَإِذَا بَطَلَ الْوَقْتُ الَّذِي أُمِرَ بِالذِّكْرِ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ فِيهِ، وَبَطَلَ التَّعْقِيبُ كَانَ قَدْ فَاتَ وَقْتُ الْوَقْفِ بِالْمَشْعَرِ وَشَرْطُهُ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ الْوُقُوفَ فِيهِ، وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] فَإِنَّهَا دَلِيلٌ عَلَى امْتِنَاعِ الطَّوَافِ بِهِمَا مِنْ غَيْرِ الْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ؛ وَلِذَلِكَ لَا يُشْرَعُ الطَّوَافُ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، بِخِلَافِ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، فَإِنَّهُ عِبَادَةٌ مُنْفَرِدَةٌ أَفْرَدَهَا بِالذِّكْرِ فِي قَوْلِهِ: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125]، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ} [البقرة: 200] إِلَى قَوْلِهِ: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203]، فَالْأَمْرُ بِالذِّكْرِ كَذِكْرِ الْآبَاءِ وَالذِّكْرِ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ هُوَ بَعْدَ قَضَاءِ الْمَنَاسِكِ، وَمَنْ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ لَمْ يَقْضِ مَنَاسِكَهُ، فَبَطَلَ فِي حَقِّهِ الذِّكْرُ الْمَأْمُورُ بِهِ الَّذِي يَتَضَمَّنُ التَّعَجُّلَ وَالتَّأَخُّرَ، وَلَا يُقَالُ: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «الْحَجُّ عَرَفَةُ، مَنْ جَاءَ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ» ".
فَإِذَا لَمْ يُدْرِكْ عَرَفَةَ: فَلَا حَجَّ لَهُ، بَلْ قَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَمَنْ لَا حَجَّ لَهُ لَا يَجُوزُ أَنْ

الصفحة 658