كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الحج (اسم الجزء: 2)

الرِّوَايَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ .... لَمْ يَجِدْ.
الْأَوَّلُ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196]، فَأَوْجَبَ الْإِتْمَامَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ غَيْرِ الْمُحْصَرِ، وَحِجَّةُ الْفَوْتِ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِالْقَضَاءِ، فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ ذَلِكَ.
وَأَيْضًا: مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْحَدِيثِ الْمُرْسَلِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ مِثْلِ عُمَرَ وَزَيْدٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَإِفْتَاهُمْ بِذَلِكَ مِثْلَ أَبِي أَيُّوبَ، وَهَبَّارِ بْنِ الْأَسْوَدِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ مُنْكِرٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَصَارَ إِجْمَاعًا.
وَإِنَّمَا خَالَفَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْوَقْتَ مِنْ أَهْلِ الْفُتْيَا.
وَلِأَنَّهُ أَخَّرَ الْعِبَادَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ عَنْ وَقْتِهَا، فَلَزِمَهُ قَضَاؤُهَا كَمَا لَوْ فَوَّتَ الصَّلَاةَ وَالْعِبَادَاتِ الْمَنْذُورَةَ عَنْ أَوْقَاتٍ مُعَيَّنَةٍ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَرْعًا أَنْ يَفْعَلَهُ فِي عَامِهِ، كَمَا تَجِبُ الصَّلَوَاتُ وَالصِّيَامُ فِي مَوَاقِيتِهَا الْمَحْدُودَةِ بِخِلَافِ الْمُحْصَرِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إِتْمَامُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، بَلْ جَازَ لَهُ الْخُرُوجُ مِنَ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْوَقْتِ فَهُوَ نَظِيرُ مَنْ جَازَ لَهُ تَرْكُ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، أَوْ تَرْكُ بَعْضِ .... الصَّلَاةِ لِعُذْرٍ.

الصفحة 666