كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الحج (اسم الجزء: 2)
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ تُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الْإِحْرَامِ.
«وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى مَكَّةَ فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالْمِسْكِ الْمُطَيِّبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، فَإِذَا عَرِقَتْ إِحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا فَيَرَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَنْهَانَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ.
وَلَفْظٌ عَنْهَا: " «أَنَّهُنَّ كُنَّ يَخْرُجْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ - عَلَيْهِنَّ الضِّمَادُ قَدْ أَضْمَدْنَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمْنَ، ثُمَّ يَغْتَسِلْنَ وَهُوَ عَلَيْهِنَّ يَعْرَقْنَ وَيَغْتَسِلْنَ لَا يَنْهَاهُنَّ عَنْهُ» " وَلِأَنَّ الطِّيبَ بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِيهِ، فَإِذَا كَانَ إِنَّمَا يُمْنَعُ مِنِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ دُونَ اسْتِدَامَتِهِ فَكَذَلِكَ الطِّيبُ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ الطِّيبَ إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الِاسْتِدَامَةُ كَالنِّكَاحِ، فَإِذَا مُنِعَ مِنِ ابْتِدَائِهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنِ اسْتِدَامَتِهِ، وَعَكْسُهُ اللِّبَاسُ، فَإِنَّهُ لَا يُرَادُ لِلِاسْتِدَامَةِ، وَلِأَنَّ الطِّيبَ مِنْ جِنْسِ النَّظَافَةِ مِنْ حَيْثُ يُقْصَدُ بِهِ قَطْعُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ كَمَا يُقْصَدُ بِالنَّظَافَةِ إِزَالَةُ مَا يَجْمَعُ الشَّعْرُ وَالظُّفْرُ مِنَ الْوَسَخِ. ثُمَّ اسْتُحِبَّ قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ لِكَوْنِهِ مَمْنُوعًا مِنْهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَإِنْ بَقِيَ أَثَرُهُ. فَكَذَلِكَ اسْتُحِبَّ لَهُ التَّطَيُّبُ قَبْلَهُ، وَإِنْ بَقِيَ أَثَرُهُ بَعْدَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَى صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ - يَعْنِي عَنْ يَعْلَى - «أَنَّ يَعْلَى كَانَ
الصفحة 80