كتاب طبقات المفسرين للداوودي (اسم الجزء: 2)

وكان يملي في ناحية وأبوه مقابلة، وكان يحفظ ثلاثمائة ألف بيت شاهدا في القرآن، وكان يملي من حفظه، لا من كتاب.
ومرض يوما فعاده أصحابه، فرأوا من انزعاج والده عليه أمرا عظيما فطيبوا نفسه، فقال: كيف لا أنزعج وهو يحفظ جميع ما ترون؟ وأشار إلى خزانة مملوءة كتبا.
وكان مع حفظه زاهدا متواضعا، حكى الدّارقطنيّ أنه حضره في إملاء فصحف اسما في إسناد. قال الدارقطني: فأعظمت أن يحمل عن مثله في فضله وجلالته [وهم (¬1)] فلمّا
انقضى المجلس تقدمت إليه، وذكرت له ذلك، وانصرفت. ثم حضرت المجلس الآتي فقال للمستملي: عرّف الجماعة أنّا صحّفنا الاسم الفلانيّ لما أملينا كذا في المجلس الماضي، ونبّهنا ذلك الشاب على الصواب، وهو كذا، وعرّف ذلك الشاب أنا رجعنا إلى الأصل، فوجدناه كما قال.
وكان يحفظ مائة وعشرين تفسيرا بأسانيدها.
وقال أبو الحسن العروضي: اجتمعت أنا وأبو بكر بن الأنباري عند الرّاضي بالله على الطعام- وكان الطبّاخ قد عرف ما يأكل- فكان يطبخ له قليّة، يابسة، قال: فأكلنا نحن من ألوان الطعام وأطايبه، وهو يعالج تلك القليّة، ثم فرغنا وأتينا بحلواء، فلم يأكل منها، وقمنا إلى الخيش، فنام بين الخيشين، ونمنا نحن في خيشين ولم يشرب ماء إلى العصر، فلما كان العصر قال لغلام: الوظيفة فجاءه بماء من الحب (¬2) وترك المزمّل بالثلج، فغاظني ذلك، فصحت، فأمر الراضي بإحضاري، وقال: ما قصّتك؟ فأخبرته، وقلت: هذا
¬__________
(¬1) من تاريخ بغداد للخطيب البغدادي.
(¬2) الحب، بضم الماء: إناء معروف للماء.

الصفحة 229