كتاب طبقات المفسرين للداوودي (اسم الجزء: 2)

يا أمير المؤمنين يحتاج أن يحال بينه وبين تدبير نفسه، لأنه يقتلها، ولا يحسن عشرتها، فضحك. وقال: يا أبا بكر لم تفعل هذا؟ فقال: أبقي على حفظي، قلت له: قد أكثر الناس في حفظك، فكم تحفظ؟ قال ثلاثة عشر صندوقا.
قال: وسألته يوما جارية المراضي عن [شيء] (¬1) في تعبير الرؤيا، فقال:
أنا حاقن، ثم مضى من يومه، فحفظ كتاب الكرمانيّ، وجاء من الغد وقد صار معبّرا للرؤيا وكان يأخذ الرطب فيشمّه، ويقول: إنّك لطيّب، ولكن أطيب منك ما وهب الله لي من العلم.
ولما مرض مرض الموت، أكل كلّ شيء كما يشتهي، وقال: هي علّة الموت.
وقال الخطيب: ورأى يوما بالسوق جارية حسناء، فوقعت في قلبه، فذكرها للراضي، فاشتراها وحملها إليه، فقال لها: اعتزلي إلى الاستبراء، قال: وكنت أطلب مسألة، فاشتغل قلبي، فقلت للخادم: خذها وامض بها، فليس قدرها أن تشغل قلبي عن علمي، فأخذها الغلام، فقالت له: دعني أكلّمه بحرفين، فقالت له: أنت رجل لك محلّ وعقل، وإذا أخرجتني ولم تبيّن ذنبي ظنّ الناس فيّ ظنا قبيحا، فقال لها: مالك عندي ذنب غير أنّك شغلتني عن علمي، فقالت: هذا سهل، فبلغ الرّاضي، فقال: لا ينبغي أن يكون العلم في قلب أحد أحلى منه في صدر هذا الرّجل (¬2).
قال الزبيديّ: وكان شحيحا، وما أكل له أحد شيئا قط، وكان ذا يسار وحال واسعة ولم يكن له عيال.
¬__________
(¬1) من تاريخ بغداد للخطيب البغدادي.
(¬2) تاريخ بغداد 3/ 182.

الصفحة 230