وقرأ بالروايات على أبي عبد الله محمد بن محمد بن حسن بن سلمة وغيره، وسمع من الوادي آشي «الصحيحين»، ومن الإمام أبي عبد الله محمد ابن عبد السلام الهواري «الموطأ»، وأخذ عنه الفقه والأصول.
وتفقه أيضا بأبي عبد الله محمد بن هارون، ومحمد بن حسن الزبيدي، وأبي عبد الله الأيلي ونظرائهم، وتفرّد بشيخوخة العلم والفتوى في المذهب.
وله التصانيف العزيزة، والفضائل العديدة، وانتشر علمه شرقا وغربا، فإليه الرحلة في الفتوى والاشتغال بالعلم والرواية، حافظا للمذهب ضابطا لقواعده، إماما في علوم القرآن، مجيدا في التفسير، والعربية، والأصلين، والفرائض والحساب، وعلم المنطق، والمعاني والبيان، وغير ذلك.
وله في ذلك تواليف مفيدة، تخرج بين يديه جلّة من العلماء الأعلام وقضاة الإسلام، فعن رأيه تصدر الولايات، وبإشارته تعين الشهود للشهادات، ولم يرض لنفسه الدخول في الولايات، بل اقتصر على الإمامة والخطابة بجامع الزيتونة، وانقطع للاشتغال بالعلم والتصدّر لتجويد القراءات.
اجتمع على اعتقاده ومحبته الخاصة والعامة، ذا دين متين، وعقل رصين، وحسن إخاء وبشاشة وجه للطلاب، صائم الدهر، لا يفتر عن ذكر الله وتلاوة القرآن إلا في أوقات الاشتغال، منقبضا عن مداخلة السلاطين، لا يرى إلا في الجامع أو في حلقة التدريس، لا يغشى سوقا ولا مجتمعا، ولا مجلس حاكم إلا أن يستدعيه السلطان في الأمور الدينية، كهفا للواردين عليه من أقطار البلاد، يبالغ في برهم والإحسان إليهم وقضاء حوائجهم.
وقد خوله الله من رئاسة الدين والدنيا ما لم يجتمع لغيره في بلده، له أوقاف جزيلة في وجوه البرّ وفكاك الأسرى، رأسا في العبادة والزهد والورع، ومناقبة عديدة وفضائله كثيرة.