كتاب الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم للقاضي أبي بكر بن العربي المعافري

الله: أما القول بأن الضمير يرجع إلى الإطعام فهو قول ضعيف لن الضمير إنما يرجع إلى ما بعده لضرورة لا يمكن غيرها كقول الشاعر:
جزى ربه عني عدي بن حاتم ... جزاء الكلاب العاويات وقد فعل
فصرف الضمير في الرب إلى المتأخر الذكر لأنه لم يمكن غيرة وإن كان جاء ذكره بعد ذلك, وأما قوله تعالى: {فأصلح بينهم} فإنما يرجع إلى متقدم الذكر في الكلام لأنه قال: {فمن خاف من موص جنفا} فاقتضى قوله سبحانه {من موص} موصى عليه وموصى به, والموصى إليه المقتضى هاهنا هم الوالدان والأقربون الذين تقدم ذكرهم, فرجع الضمير إليهم في قول: (بينهم) وهذا لا خفاء به على الشاذين فضلا عن الراسخين.
وأما من قال يطوقونه بضم الياء وبفتحها وكذلك ما ينسب إلى ابن عباس رضي الله عنه فلا يعول عليه لأنه شاذ لا (يوجب علما ولا) عملا لاتفاق الأمة على رفضه في ذلك.
وأما من قال إنه مبين لحكم القادرين الأصحاء الحاضرين أن من شاء صام منهم ومن شاء أفطر ثم نسخه قول: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} لأنه معارض له إذ الناس على قسمين: مسافر وحاضر, والحاضر على قسمين: مريض وصحيح. فخرج البيان في المريض والمسافر بعدة من أيام أخر, وبقي الصحيح القادر المقيم على رسم الازام, فهذا بحكم

الصفحة 22