كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية (اسم الجزء: 2)

لما دعاهم النبي (إلى ترك عبادة ما كانوا يعبدونه من دون الله، فأبوا أن ينفوا ما نفته من عبادة الأوثان والأصنام، وأن يخلصوا العبادة لله وحده.
ولمعرفتهم معنى هذه الكلمة نهوا أبا طالب عن أن يقولها عند موته، لما قال له رسول الله: " يا عم قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله. قال له أبو جهل، وعبد الله بن أبي أمية: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ " 1 علموا أنه لو قالها لترك عبادة غير الله، وأنكرها، لمعرفتهم ما دلت عليه من النفي والإثبات، قال الله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} [سورة الصافات آية: 36] .
وأما هذه الأمة، فلما كثر الشرك فيهم كما كثر في أولئك، وبنيت المساجد على القبور وعبدت، وبنيت المشاهد على اسم من بنيت باسمه من الصالحين وعبدت، صاروا يقولون: لا إله إلا الله، والشرك قد قام في قلوبهم، واتخذوه دينا، فأثبتوا ما نفته هذه الكلمة من عبادة غير الله، وأنكروا ما دلت عليه من الإخلاص.
فعكسوا مدلول هذه الكلمة العظيمة، بكونهم أثبتوا ما نفته من الشرك، ونفوا ما أثبتته من الإخلاص الذي هو حق الله على عباده، فيقول قائلهم: لا إله إلا الله، وقد اعتقد عكس ما دلت عليه; وهذا غاية الجهل والضلال، يقول كلمة
__________
1 البخاري: المناقب (3884) , ومسلم: الإيمان (24) , والنسائي: الجنائز (2035) , وأحمد (5/433) .

الصفحة 215