كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية (اسم الجزء: 2)

الصحابة السابقون الأولون، من المهاجرين والأنصار، رضي الله عنهم، التوسل بالنبي (بعد وفاته، كما كانوا يتوسلون بدعائه في حياته إذا قحطوا.
وثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه خرج بالعباس بن عبد المطلب، عام الرمادة، بمحضر من السابقين الأولين، يستسقون، فقال عمر: (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا، فاسقنا، ثم قال: ارفع يديك يا عباس، فرفع يديه يسأل الله تعالى) ; ولم يسأله بجاه النبي ولا بغيره; ولو كان هذا التوسل حقا، كانوا إليه أسبق، وعليه أحرص.
فإن كانوا أرادوا بالتوسل دعاء الميت، والاستشفاع به، فهذا هو شرك المشركين بعينه; والأدلة على بطلانه في القرآن كثيرة جدا، فمن ذلك قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [سورة الزمر آية: 43"44] . فالذي له ملك السماوات والأرض، هو الذي يأذن في الشفاعة، كما قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [سورة البقرة آية: 255] .
وقال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [سورة النجم آية: 26] ، وهو لا يرضى إلا الإخلاص في الأقوال

الصفحة 238