كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية (اسم الجزء: 2)

فالتوحيد هو إفراد الله بالإلهية، كما تقدم بيانه، ولا يحصل ذلك إلا بالبراءة من الشرك والمشركين باطنا وظاهرا، كما ذكر الله تعالى ذلك عن إمام الحنفاء، عليه السلام، بقوله: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} الآية [سورة الزخرف آية: 26] ، وقوله: {يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [سورة الأنعام آية: 78"79] .
فتأمل: كيف ابتدأهم بالبراءة من المشركين، وهذا هو حقيقة معنى لا إله إلا الله، ومدلولها، لا بمجرد قولها باللسان، من غير معرفة وإذعان، لما تضمنته كلمة الإخلاص، من نفي الشرك، وإثبات التوحيد ; والجاهلون من أشباه المنافقين يقولونها بألسنتهم، من غير معرفة لمعناها، ولا عمل بمقتضاها; ولهذا تجد كثيرا ممن يقولها باللسان، إذا قيل له: لا يعبد إلا الله، ولا يدعى إلا الله، اشمأز من هذا القول، كما قال تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [سورة الزمر آية: 45] .
وقال تعالى لنبيه محمد (: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ} [سورة يونس آية: 105"106] ، والحنيف، هو: المقبل على الله، المعرض عن كل ما سواه، وقد قال تعالى: {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}

الصفحة 265