كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية (اسم الجزء: 2)

[سورة العنكبوت آية: 56] .
وتقديم المعمول يفيد الحصر، كما في هذه الآية وأشباهها.
قال: العماد ابن كثير، رحمه الله، في معنى قوله: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} : [سورة البقرة آية: 130] ، فيها الرد على المشركين المخالفين لملة إمام الحنفاء، فإنه جرد توحيد ربه، فلم يدع معه غيره، ولا أشرك به طرفة عين، وتبرأ من كل معبود سواه، وخالف في ذلك قومه، حتى تبرأ من أبيه، كما ذكر الله ذلك عنه في قوله: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} الآية [سورة مريم آية: 48"49] ، وكيف بادأهم بذكر اعتزالهم أولا، ثم عطف عليه باعتزال معبوداتهم، كما في سورة الكهف: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ} [سورة الكهف آية: 16] ؛ وهذا هو حقيقة التوحيد.
وقد أرشد الله نبيه محمدا (والمؤمنين أن يأتموا بخليله في ذلك، ويتأسوا به، فقال: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [سورة الممتحنة آية: 4] .
ولهذا الأصل العظيم، الذي هو ملة إبراهيم، شرع الله جهاد المشركين، فقال: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا

الصفحة 266