كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية (اسم الجزء: 2)

فعرف العبادة بتوحيد المحبة مع خضوع القلب والجوارح، فمن أحب شيئا وخضع له، فقد تعبد قلبه له، فلا تكون المحبة المنفردة عن الخضوع عبادة، ولا الخضوع بلا محبة عبادة; فالمحبة والخضوع ركنان للعبادة، فلا يكون أحدهما عبادة بدون الآخر، فمن خضع لإنسان مع بغضه له، لم يكن عابدا له، ولو أحب شيئا، ولم يخضع له، لم يكن عابدا له، كما يحب ولده وصديقه. ولهذا لا يكفي أحدهما في عبادة الله تعالى، بل يجب أن يكون الله أحب إلى العبد من كل شيء، وأن يكون أعظم عنده من كل شيء، بل لا يستحق المحبة الكاملة والذل التام إلا الله سبحانه.
إذا عرف ذلك، فتوحيد العبادة هو: إفراد الله سبحانه بأنواع العبادة المتقدم تعريفها، وهو نفس العبادة المطلوبة شرعا، ليس أحدهما دون الآخر; ولهذا قال ابن عباس: "كل ما ورد في القرآن من العبادة، فمعناه التوحيد" وهذا هو التوحيد الذي دعت إليه الرسل، وأبى عن الإقرار به المشركون. وأما العبادة من حيث هي، فهي أعم من كونها توحيدا عموما مطلقا، فكل موحد عابد لله، وليس كل من عبد الله يكون موحدا، ولهذا يقال عن المشرك: إنه يعبد الله، مع كونه مشركا، كما قال الخليل (: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [سورة الشعراء آية:75" 77] . وقال عليه السلام: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} [سورة الزخرف آية:

الصفحة 291