كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية (اسم الجزء: 2)

29" 27] .
فاستثنى الخليل ربه من معبوديهم، فدل على أنهم يعبدون الله.
فإن قيل: ما معنى النفي في قوله سبحانه: {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [سورة الكافرون آية: 3] ؟ قيل: إنما نفى عنهم، الاسم الدال على الوصف والثبوت; ولم ينف وجود الفعل الدال على الحدوث والتجدد، وقد نبه ابن القيم، رحمه الله تعالى، على هذا المعنى اللطيف في بدائع الفوائد، فقال لما انجر كلامه على سورة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [سورة الكافرون آية: 1] : وأما المسألة الرابعة، وهو أنه لم يأت النفي في حقهم إلا باسم الفاعل، وفي جهته جاء بالفعل المستقبل تارة، وباسم الفاعل أخرى.
وذلك" والله أعلم" لحكمة بديعة، وهي: أن المقصود الأعظم، براءته من معبوديهم بكل وجه، وفي كل وقت ; فأتى أولا بصيغة الفعل، الدالة على الحدوث والتجدد، ثم أتى في هذا النفي بعينه بصيغة اسم الفاعل، الدالة على الوصف والثبوت، فأفاد في النفي الأول: أن هذا لا يقع مني، وأفاد في الثاني أن هذا ليس وصفي ولا شأني، فكأنه قال: عبادة غير الله لا تكون فعلا لي ولا وصفا، فأتى بنفيين لمنفيين مقصودين بالنفي.
وأما في حقهم، فإنما أتى بالاسم الدال على الوصف والثبوت، دون الفعل; أي: الوصف الثابت اللازم للعابد لله، منتف عنكم، فليس هذا الوصف ثابتا لكم، وإنما

الصفحة 292