كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية (اسم الجزء: 2)

يثبت لمن خص الله وحده بالعبادة، لم يشرك معه فيها أحدا، وأنتم لما عبدتم غيره، فلستم من عابديه، وإن عبدتموه في بعض الأحيان، فإن المشرك يعبد الله، ويعبد معه غيره، كما قال تعالى، عن أهل الكهف: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ} [سورة الكهف آية: 16] ، أي اعتزلتم معبوديهم، إلا الله، فإنكم لم تعتزلوه، وكذا قول المشركين، عن معبوديهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [سورة الزمر آية: 3] ، فهم كانوا يعبدون الله، ويعبدون معه غيره، لم ينف عنهم الفعل لوقوعه منهم، ونفى الوصف؛ لأن من عبد غير الله لم يكن ثابتا على عبادة الله، موصوفا بها.
فتأمل هذه النكته البديعة، كيف تجد في طيها أنه لا يوصف بأنه عابد لله، وإن عبده، ولا المستقيم على عبادته، إلا من انقطع إليه بكليته، وتبتل إليه تبتيلا، لم يلتفت إلى غيره، ولم يشرك به أحدا في عبادته؛ وأنه إن عبده وأشرك به غيره، فليس عابدا لله، ولا عبدا له؛ وهذا من أسرار هذه السورة العظيمة الجليلة، التي هي أحد سورتي الإخلاص، التي تعدل ربع القرآن، كما جاء في بعض السنن. وهذا لا يفهمه كل أحد، ولا يدركه إلا من منحه الله فهما من عنده، فله الحمد والمنة. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
وأما الإخلاص فحقيقته: أن يخلص العبد لله، في أقواله، وأفعاله، وإرادته، ونيته، وهذه هي: الحنيفية،

الصفحة 293