كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية (اسم الجزء: 2)

5] ، وهي من خصائص الإلهية، كما أن رحمته لعبيده، وهدايته إياهم، وخلقه السماوات والأرض وما فيهما من الآيات، من خصائص الربوبية التي يشترك في معرفتها المؤمن والكافر، والبر والفاجر، حتى إبليس لعنه الله معترف بها في قوله: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} [سورة الحجر آية: 39] ، وقوله: {أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [سورة الأعراف آية: 14] مقر بأن كل شيء في يده سبحانه، وإنما كفر بعناده وتكبره عن الحق، وطعنه فيه؛ وكذلك المشركون الأولون، يعرفون ربوبيته، وهم بها له معترفون، كما ذكر الله ذلك عنهم في قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} الآية [سورة يونس آية: 31] ، وغيرها من الآيات، وكما يقولون في تلبيتهم: لا شريك لك، إلا شريك هو لك.
فمن ترك التوحيد، وارتكب ضده من الإقبال إلى غير الله، بالتوكل عليه، ورجائه فيما لا يمكن إلا من الله، والتجأ إلى ذلك الغير، مقبلا عليه بقلبه، طالبا شفاعته، متوكلا عليه، راغبا إليه فيها، تاركا ما هو المطلوب المتعين عليه، متعلقا على المخلوق لأجله، فإن هذا بعينه فعل المشركين واعتقادهم. ولا نشأت فتنة في الوجود، إلا بهذا الاعتقاد، فصار شقيا بالإرادة الكونية.
والإرادة الدينية أصل في إيجاد المخلوق، والإرادة الكونية أصل فيمن كتبت عليه الشقاوة، فلا ييسر إلا لها،

الصفحة 306