كتاب الأشباه والنظائر - السبكي (اسم الجزء: 2)

ونحوه. وإن كان له شعور. ولكن لا ينسب إليه ذلك الشيء فذلك كالمرتعش بتحريك يده. ولا يقال: إنه حركها. وإن كان بكراهة وحمل حامل له على أن يفعل؛ فإن كان لا يجد مندوحة عن الفعل البتة ولا مخلصًا منه فهو الملجأ.
والفرق بينه وبين المرتعش عسير. فليجعلا قسمًا واحدًا.
ومن صوره من ألقى من شاهق فوقع على إنسان فقتله؛ فهو لا يجد بدًا من الوقوع ولا اختيار له فيه؛ وإنما هو آلة محضة كالسكين، فهذا لا يقول أحد: إنه مكلف ولا ينسب إليه فعل.
نعم تردد الذهن فيمن ألقى من شاهق وعلى الأرض طريحان، ولم يدهشه الإلقاء، وطرح بنفسه في حالة الإلقاء من ناحية أحدهما إلى ناحية الآخر، فسقط عليه فقتله، هل يكون قائلًا بهذا العذر، والأقرب أن هذا إن تصور فهذا كالمكره على أحد شيئين ففعل أحدهما وسنتكلم فيه.
وإن وجد مندوحة عن الفعل، ولكن بالصبر على إيقاع ما أكره به؛ فالضابط في هذا أن ينظر إلى تلك المندوحة، فإن كانت في نظر العقلاء أشد مما أكره عليه فهذا مكره.
وذلك كمن قال له قادر على ما يتوعد به: طلق زوجتك وإلا قتلتك.
ففي نظر العقلاء تقديم طلاق الزوجات على زهوق ألأرواح وإن لم يكن في نظر العقلاء أشد، كمن قيل له اقتل زيدًا وإلا منعتك الطعام والشراب يومًا واحدًا، لا تقتل بين ما يتحقق الإكراه فيه وما لا يتحقق. وقد بان بهذا أن الملجأ لا فعل له ولا يقبل التكليف والمكره له فعل واختيارية قدم بها على ما أكره عليه على ما توعد به؛ فهو كالمختار فلا يمتنع في العقول تكليفه؛ غير أن الشارع رفقًا بنا ونظرًا إلينا وشفقة علينا رفع هذه المشقة عنا، وقال ما حاصله: "إن كل مندوحة تكون أشد من المكره عليه لا أكلف الصبر عليه وارفع معها آثار ذلك الفعل، وأصيره كلا فعل البتة" وإلى هذا الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: "وما استكرهوا عليه".
فإن قلت: إذا كان المكره والمختار سواء في الاختيار فما الفرق بينهما.
فإن قلت: قال القاضي في كتاب التقريب: "والفرق بينهما أن المختار مطلق

الصفحة 11