كتاب الأشباه والنظائر - السبكي (اسم الجزء: 2)

الكلام على جواب هذا بما حاصله أن ذلك لا يدفع كون التعليق سببًا وهو المدعي هنا.
وصرح به الأصحاب عند كلامهم على أن العزم عند الرجوع -هل هو على شهود التعليق أو الصفة؟ فقالوا: التعليق موقع والصفة محل.
قال: والشافعية قد يمنعون إطلاق الإيقاع على التعليق، لاعتقاد أن الإيقاع، يستعقب الوقوع، لا لإنكار كون التعليق سببًا.
قال: وللمسألة التفات على مسألة التكوين والمكون.
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: "الشرط إذا دخل على السبب منع انعقاده سببًا في الحال". وربما قالوا: الشرط داخل على نفس العلة وأصلها، لا على حكمها.
قالوا: والشرط يحول بين العلة ومحلها؛ فلا تصير علة معه.
فحرف المسألة بيننا وبينهم أن الشرط هل يمنع انعقاد سبب الحكم حتى يكون الحكم عند انتفاء الشرط مستندًا إلى البقاء على الأصل لا إلى انتفاء الشرط أو لا يمنع انعقاد العلة بل يمنع وجود حكمها حتى يكون الدال على انتفاء الحكم صيغة الشرط. وهذا أصل عظيم في الخلافيات. عظم فيه تشاجر الفريقين، وعليه مسائل.
منها: تعليق الطلاق أو العتق بالملك باطل عندنا؛ لأن التطليق المعلق سبب وقوع الطلاق، والتعليق أثر في تأخير حكمه مع بقاء سببه.
وإذا بقيت السببية لزم أن يكون المحل مملوكًا، فإن اتصال السبب بالمحل المملوك شرط لانعقاده، ليكون السبب مفضيًا إلى الحكم عند وجود الشرط.
ولهذا لو قال لأجنبية: إن دخلت الدار فأنت طالق لم يصح، لأن السبب لا يفضي إلى حكمه وإن وجد الشرط.
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: يصح، لأن التطليق معلق بالشرط، فلم يكن سببًا لوقوع الطلاق فلا يشترط له ملك المحل، بل ينقعد التطليق يمينًا، لأنه إن قصد بها لمنع فهو موجود بوقوع الطلاق عند وجود الشرط، وكذا إن قصد الطلاق، لأنه أضاف الطلاق إلى الملك وكان كلامه مقيدًا فانعقد صحيحًا. هذا حاصل كلامهم.

الصفحة 29