كتاب أعيان العصر وأعوان النصر (اسم الجزء: 2)

كان قد كتب على الشيخ نجم الدين بن البصيص، فيقال: إنه ما ظهر من تلاميذه في حسن الكتابة مثل بدر الدين المذكور، ومثل الشيخ كمال الدين محمد بن علي بن الزملكاني.
كان أديباً فاضلاً في فنه عجيباً، ينظم وينثر، ويجري في جلبة البلاغة ولا يعثر، كتب عليه من أهل دمشق جماعة كثيرون، يحركون نوافج الثناء عليه ويثيرون، وكان قد أخمل نفسه بالتعليم، ورضي من الدهر بالتسليم، فعز بالقناعه، وشرف نفسه عن التجشم والرقاعه، ولم يذل نفسه على أحد بالترداد، ولا دخل مع أبناء الدنيا في جملة الأعداد، على أنه له ملك يدخله منه كفايته، ويصل إليه من التجويد ما هو نهايته، وكان إذا كتب كبت، وعثرت الرياح من خلفه وكبت، وأراك بأقلامه الروض، إذا نبت، والسيوف إذا كلت عن مضارب مداه ونبت.
ولم يزل على حاله إلى أن رمي ابن المحدث من الحين بحادثه، وحكم في تركته أيدي وارثه.
وتوفي رحمه الله تعالى في ليلة الجمعة رابع ذي الحجة سنة أربع وثلاثين وسبع مئة.
كان الملك الأوحد يصحبه، فتحدث له مع الأفرم أن يدخل ديوان الإنشاء فرسم له بذلك، فأبى الشيخ بدر الدين ذلك، فلامه الأوحد على ترك ذلك. فقال: أنا إذا دخلت بين الموقعين ما يرتب لي أكثر من خمسة دراهم كل يوم، وما يجلسونني فوق أحد من بني فضل الله، ولا فوق بني القلانسي، ولا فوق بني غانم، فما أكون إلا دون هؤلاء، ولو تكلمت قالوا: أبصر المصفعة، واحد كان فقيه كتاب، قال يريد يقعد فوق السادة الموقعين، وإذا جاء سفر ما يخرجون غيري، فإن تكلمت قالوا:

الصفحة 211