كتاب أعيان العصر وأعوان النصر (اسم الجزء: 2)

فسر إلينا نكن ثرّيا ... وادخل إلينا بغير إذن
ولا تدعنا نئنّ شوقاً ... ولا تقل للرسول إنّي
فكتبت أنا الجواب عن ذلك:
أبياتك الغرّ قد أتتني ... فشرّفتني وشنفّتني
شعرك فيها ظريف لفظٍ ... لطيف معنىً خفيف وزن
قد أثقلت كاهلي بشكرٍ ... فكلّ متني إذ كلّمتني
فإن أفز بالمثول فيكم ... فإنه غاية التمنّي
وإن تخلّفت عن حماكم ... يا طول دقّي في الجرن حزني
وكتب هو إلي وقد توالت الأمطار والثلوج في العشر الآواخر من رمضان سنة اثنتين وخمسين وسبع مئة: كيف مولانا ألحف الله ظله، وأرشف طله ووبله، وحمل على أعناق الأيام كله، وجعل مثله السحاب الجود ولا أعرف مثله، وضاهى برزقه هذا الغيث الواقع على خلاف القياس كله، فإن هذا اليوم قد عزز الصّنى والصنبر وعجز الصبر وعزى سكان الأجداث بالأحياء فكل بيت قبر:
يومٌ كأن سماءه ... حجبت بأجنحة الفواخت
جاء الطوفان والبحر المحيط، وجاب الصخر بوادي الربوة دم سيله العبيط، وجال في وجه البسيطة حياؤه فما انبسطت الخواطر بجوهره البسيط، أخفت النجوم في ليله، واطلع الحي القيوم على زنته الراجحة وكيله، وتراكمت سحبه الساترة فضاء الأفق بفضل ذيله، وأجلب على الوهاد والربا برجله الطامة وخيله، فكأنما وهت عرى ذلك الزمهرير فهبط، أو هيض جناح السحاب الجون فسقط، أو حل سلك النحوم الزاهر ففرط جوهر ذلك القطر لما انفرط، فالجدران لهيبته مطرقة، والعمران قد

الصفحة 220