كتاب أعيان العصر وأعوان النصر (اسم الجزء: 2)

لا يسمع منه ولا يخضع له ويترفع عليه، وإذا شفع في أحد عنده لا يقبل منه، وإذا علم أن الفلاح من جهته أو من جهة مماليكه قتله بالمقارع إلى أن يموت، فضاق عطن طشتمر منه وكظم غيظه، وصبر له إلى أن أمسك الأمير سيف الدين تنكز، فما ظن أن ابن الكركري ولا غيره إلا أنه يشنقه في أول وهلة، فلم يظهر له منه بعد تنكر تنكز، وتوجه طشتمر عقيب ذلك إلى باب السلطان، فأعطاه نيابة حلب، فباس الأرض، وطلب ابن الكركري من السلطان ليكون عنده في حلب مشدا، فوافقه السلطان على ذلك، لأنه كان يتحقق منه الأمانة والعفة عن مال الرعايا، ولم يزل بحلب إلى أن هرب طشتمر منها، على ما سيأتي في ترجمته، فما وفى له ابن الكركري ومال عليه، ولما عاد طشتمر من البلاد الرومية اعتقله، وتوجه إلى دمشق وتوجه منها إلى مصر، وجرى ما جرى من قتلة طشتمر، ثم إن ابن الكركري خلص بعد موت طشتمر من الاعتقال وبقي بطالاً، فحضر إلى دمشق في أيام الأمير سيف الدين طقزتمر، ورتب له راتباً على الأموال الديوانية، ثم إنه رتب في شد الدواوين بدمشق وهو بلا إمرة، فأقام على ذلك قليلاً، وجهز إلى حمص مشداً، ثم إلى صفد مراراً كثيرة.
وباشر ولاية مدينة دمشق مدة بعد إقطاع، ثم طلبه الأمير شهاب الدين أحمد نائب صفد لشد صفد، فجهز إليها فأقام قليلاً، وكان ذلك في سنة تسع وأربعين في الطاعون، فتوهم الناس أنه يموت بها، فطلبه الأمير بدر الدين مسعود من السلطان أن يكون مشداً عنده بطرابلس على عشرة قد انحلت عنده، فرسم له بالتوجه إليها، فأقام بها قريباً من شهر، وجاءه القضاء الذي لا تحمى منه الحصون ولا يرى در حي دونه وهو مصون.
ووفاته رحمه الله تعالى سنة تسع وأربعين وسبع مئة في جمادى الآخرة.

الصفحة 64