كتاب أعيان العصر وأعوان النصر (اسم الجزء: 2)

المثال الكريم، فقابل منه اليد البيضاء بل الديمة الوطفاء، بل الكاعب الحسناء، وتلقى منه طرة صبح ليس للدجا عليها أذيال، وغرة نحج ما كدر صفاها خيبة الآمال، فلو كان كل وارد مثله لفضل المشيب على الشباب، ونزع المتصابي عن التستر بالخضاب، ورفض السواد ولو كان خالاً على الوجنه، وعد المسك إذا ذر على الكافور هجنه، وأين سواد الدجا إذا سجى من بياض النهار إذا انهار، وأين وجنات الكواعب النقية من الأصداغ المسودة بدخان العذار، وأين نور الحق من ظلمة الباطل، وأين العقد الذي كله در من العقد الذي فيه السبج فواصل، يا له من وارد تنزه عن وطء الأقلام المسوده، وعلا قدره عن السطور التي لا تزال وجوهها بالمداد مربده حتى جاء يتلألأ ضياء ويتقد، وأتى يتهادى في النور بالذي تعتقد فيه المجوسية ما تعتقد، ولكن توهم المملوك أن تكون صحف الود أمست مثله عفاء، وظن بأبيات العود السالفة أن تكون كهذه المراسلة من الرقوم خلاء:
لو أنها يوم المعاد صحيفتي ... ما سرّ قلبي كونها بيضاء
فلقد سودت حال المملوك ببياضها، وعدم من عدم الفوائد البهائية ما كان يغازله من صحيحات الجفون ومراضها، وما أحق تلك الأوصال الوافدة بلا إفاده، الجائدة بزيارتها التي خلت من الجود بالسلام وإن لم تخل زورتها من الإجاده، أن ينشدها المملوك قول البحتري. أبي عبادة:

الصفحة 8