كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية (اسم الجزء: 2)

كَأَنَّهُ دخل دَار الوزارة فَوجدَ على سَرِير ملكه رجلا وَبَين يَدَيْهِ دَوَاة الوزارة وَهُوَ يُوقع مِنْهَا بأقلامه فَسَأَلَ عَنهُ فَقيل هَذَا مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَلما حصل أَسد الدّين بالديار المصرية وانفصل عَنْهَا الفرنج أمنت الْبِلَاد وتراجع النَّاس إِلَى بُيُوتهم وَأخذُوا فِي إصْلَاح مَا شعثه الفرنج وأفسدوه وتقاطر النَّاس إِلَى خدمَة أَسد الدّين فَتَلقاهُمْ بالرحب وَالسعَة وَأحسن إِلَيْهِم
وَأما شاور فَإِنَّهُ أَخذ فِي التودُّد إِلَى أَسد الدّين والتقرب إِلَى قلبه بِجَمِيعِ مَا وجد السَّبِيل إِلَيْهِ وَأقَام لَهُ ولعسكره الْميرَة الْكَثِيرَة والنفقات الغزيرة حَتَّى استحوذ على قلبه وَنوى تبقيته فِي ملكه وَصفا لَهُ قلبه حَتَّى أنفذ إِلَيْهِ سرا احرس نَفسك من عَسَاكِر الشَّام
واما عَسْكَر الشَّام فانهم لما رَأَوْا طيب بِلَاد مصر وَكَثْرَة خَيرهَا وسعة أموالها تاقت أنفسهم الى الاقامة بهَا واختاروا سكناهَا وَرَغبُوا فِيهَا رَغْبَة عَظِيمَة فقوي طمع أَسد الدّين فِي الِاسْتِيلَاء عَلَيْهَا والاستبداد بملكها ثمَّ علم أَنه لَا يتم لَهُ ذَلِك وشاور باقٍ فِيهَا فَأخذ فِي اعمال الْحِيلَة عَلَيْهِ وَكَانَ العاضد قد تقدم اليه بقتْله فَجمع اصحابه وشاورهم فِي امْر شاور وَقَالَ لَهُم قد علمْتُم رغبتي فِي هَذِه الْبِلَاد ومحبتي لَهَا وحرصي عَلَيْهَا لَا سِيمَا وَقد تحققت ان عِنْد الفرنج مِنْهَا مَا عِنْدِي وَعلمت انهم قد كشفوا

الصفحة 109