كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية (اسم الجزء: 2)

بذلك لِأَنَّهُ كَانَ يمْلَأ تنانير الجص بِأُجْرَة يتقوَّت بهَا وكل مَا عَلَيْهِ من قَمِيص ورداء وَكِسْوَة وَكسَاء قد ملكه سواهُ واستعاره فَلَا يملك ثَوْبه وَلَا إزَاره وَكَانَ لَهُ شَيْء فوهبه لأحد مريديه وَهُوَ يتجر لنَفسِهِ فِيهِ فَإِذا جَاءَهُ ضيف قراه ذَلِك المريد وَكَانَ ذَا معرفَة بِأَحْكَام الْقُرْآن وَالْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة
وَكَانَ الْعلمَاء وَالْفُقَهَاء والملوك والأمراء يزورونه فِي زاويته ويتبركون بهمته ويتيمنَّون ببركته وَله كل سنة دَعْوَة يحتفل بهَا فِي أَيَّام مولد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحضرهُ فِيهَا صَاحب الْموصل ويحضر الشُّعَرَاء وينشدون مدح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك المحفل
وَكَانَ نور الدّين من أخص محبيه يستشيره فِي حُضُوره ويكاتبه فِي مصَالح أُمُوره وَكَانَت بالموصل خربة وَاسِعَة فِي وسط الْبَلَد أشيع عَنْهَا أَنه مَا شرع فِي عمارتها إِلَّا من ذهب عمره وَلم يتم على مُرَاده أمره فَأَشَارَ الشَّيْخ عمر على نور الدّين بابتياعها وَرفع بنائها جَامعا تُقَام فِيهِ الْجمع وَالْجَمَاعَات فَفعل وَأنْفق فِيهِ أَمْوَالًا كَثِيرَة ووقف عَلَيْهِ ضَيْعَة من ضيَاع الْموصل ورتب فِيهِ خَطِيبًا ومدرساً وَكَانَ قد وصل فِي تِلْكَ السّنة وافدا الْفَقِيه عماد الدّين أَبُو بكر النوقاني الشَّافِعِي من أَصْحَاب الإِمَام مُحَمَّد بن يحيى فَسَأَلَهُ أَن يكون مدرساً فِي ذَلِك الْجَامِع وَكتب لَهُ

الصفحة 172