كتاب في الأدب الحديث (اسم الجزء: 2)
وقد زاد عدد تلاميذ المدارس الفرنسية بمصر حتى صار في سنة 1926 أكثر من اثنين وأربعين ألف تلميذ وتلميذة، يربو هذا العدد على ضعف مجموع الطلاب الذين يتعلمون في المدارس الأجنبية الأخرى بمصر سواء كانت إيطالية أو أمريكية أو إنجليزية أو يونانية1.
ولعلك تدرك الآن السر في انتشار اللغة الفرنسية بمصر، وتمسك الأجانب عامة بها، وجعلها لغتهم الأولى في معاملاتهم. لقد ساعد ذلك على انتشار الأدب الفرنسي، حتى برع فيه بعض المصريين وأخذوا ينمون الشعر ويؤلفون الكتب باللغة الفرنسية، بيد أننا لا ننسى أن هؤلاء الذين يتعلمون في مدارس أجنبية وبخاصة المدارس الفرنسية، لا يعرفون شيئًا من اللغة العربية، والحق أن فرنسا لو مكن لها أن تستعمر مصر كما استعمرت الجزائر وتونس وسوريا ولبنان. وقضت بها أمدًا طويلًا كما قضت بتلك البلاد لضعف شأن العربية، وانحط الأدب العربي أيما انحطاط، فقد عملت فرنسا في كل بلد احتلته على محو اللغة الأصلية محوًا تامًّا بمحاربتها، وعدم العناية بها، ونشر اللغة الفرنسية، وصبغ الأهالي بالصبغة الفرنسية في كل شيء. حتى يمسخوا ويشوهوا، وتفنى شخصيتهم ومقومات وطنيتهم في فرنسا كما حدث لأهل الجزائر وتونس، وكما أوشك أن يحدث لأهل لبنان لو لم يكن أمد الاحتلال الفرنسي بها قصيرًا.
ومع كل هذا فقد كان لنشر الثقافة الفرنسية بمصر أثر واضح في الأدب العربي الحديث أشرنا إلى بعضه في الجزء الأول2، وسنعود للحديث عنه فيما بعد.
__________
1 تقرير وزارة المعارف سنة 1931- 1932.
2 الفصل السادس.
الصفحة 14
470