كتاب في الأدب الحديث (اسم الجزء: 2)
المصريين سنين طويلة إلى الخلف، ولقد شهد بذلك أكثر من مؤرخ إنجليزي منصف، أو ناقد متبرم من إخفاق الإنجليز في نشر نفوذهم الأدبي والثقافي بمصر1.
رأى كرومر بعد أن خطا في إصلاحاته المالية والاجتماعية والداخلية خطوات واسعة، أن عليه واجبًا نحو نشر الثقافة الإنجليزية بمصر، وقد راعه ذلك البنيان الضخم من الثقافة الفرنسية، الذي شيدته همم الإرسالات، وعززته الحكومة الفرنسية, ورجال الاقتصاد والأعمال الفرنسيون، هالته كثرة المدارس الفرنسية في مصر، وحماسة هؤلاء الذين تعلموا بها -أو في فرنسا ذاتها- لنشر الثقافة الفرنسية، ورأى أن الفرنسيين قد بذلوا غاية جهدهم لمساعدة هؤلاء الذين يتخرجون في مدارسهم، فاشترطوا على الإنجليز أن يظل لهم النفوذ الأول ببعض المصالح الحكومية كما كان شأنهم قبل الاحتلال البريطاني، فاستأثروا بمصلحة الآثار المصرية -وظلت إلى أن جاءت الثورة في أيديهم- ونظارة مدرسة الحقوق، واستولوا بأموالهم وقروضهم وشركاتهم ومؤسساتهم التجارية على أكثر من نصف المصالح الاقتصادية والأموال المنقولة بمصر، ووجد الشبان المصريون والأجانب الذين يتخرجون في مدارسهم متسعًا للعمل بهذه الشركات والمؤسسات، وصارت اللغة الفرنسية لغة التعامل والتداول والتجارة بين الأجانب بمصر، وبينهم وبين المصريين. حتى اضطرت المحاكم المختلطة أن تصدر تسعة أعشار أحكامها باللغة الفرنسية، فضلًا عن الموظفين العديدين الذين وجب عليهم إتقان اللغة تلبية لجمهرة المتقاضين أمام المحاكم المختلطة.
وعلى الرغم من الاحتلال الإنجليزي وطول أمده فلا تزال اللغة الفرنسية هي اللغة الأولى في السوق المصرية حتى اليوم، وهي لغة التخاطب بين الأجانب
__________
1 See: Goerge Young: Egypt. and Sir Valentine Chirol: The Egyptian Problem.
See also Lord. Lioyd: Egypt Since Cromer.
الصفحة 19
470