كتاب في الأدب الحديث (اسم الجزء: 2)
والذي يعنينا هنا أثر هذه السياسة في الأدب: فقد نقص عدد القراء في عهد الاحتلال الإنجليزي نقصًا زريًّا، لمن ينتج الأدباء؛ وأي تشجيع يجدونه من أمتهم؟ أو من ولي الأمر فيهم، وهو إنجليزي اللسان والحكم.
وإذا كنا للآن وبعد أن مضى أكثر من نصف قرن، تغيرت فيه نظم التعليم ونالت مصر فيه حريتها، وكثر فيها المتعلمون كثرة نسبية، وعظم الاعتناء باللغة العربية -إذا كنا للآن نشكو من قلة عدد القراء، وعدم الاستبجابة، أو الرغبة في قراءة الكتب الأدبية، فما بالك بما حدث في عهد كرومر من هذه النسكة المريعة من ثقافة الشعب، وتعليم جمهرة بنيه؟
لا يسعنا إلا أن نقول كما قال الأستاذ "جب"1 في هذا: "من أن مصر التي بدأت فيها النهضة منذ قرن من الزمان على يد محمد علي، والتي كانت النموذج الذي احتذته تركيا، وهي الدولة صاحبة السيادة الاسمية على مصر، قد أصيبت في آدابها، وتأخرت عن تركيا، ولا سيما في فن القصة، وقد مضى القرن التاسع عشر -على الرغم من أن بعض القصص الأدبية قد نقلت إلى اللغة العربية، ولم يتقدم مؤلف واحد بقصة كاملة استوفت شروط القصة الحديثة، اللهم إلا شبه قصة هي: حديث عيسى بن هشام، للمويلحي الصغير".
ولولا أن الصحف والمجلات، قد أوت الأدباء وأفسحت لهم ميدان الكتابة، لما وجد هؤلاء سبيلًا للنتاج الأدبي أو شبه الأدبي ولقضي على أقلامهم، ولانصرفوا لاحتراف شيء آخر غير الأدب، يصيبون منه بعض ما يقوم برزقهم ورزق أولادهم وأسرهم.
ولقد كان لذلك تأثير آخر في الاتجاه الأدبي الحديث؛ لأن الكتاب جودوا المقالة، وراجت سوقها، بيد أن الصحف السيارة ليست ميدانًا للتجويد الأدبي؛ لأن جمهرة قرائها من غير الأدباء؛ ولأنها تعني بالأخبار والحوادث قبل أن تعني بالمقالة الإنشائية، أو يجب أن يكون كذلك على الأقل، فيجب على الكاتب أن يراعي
__________
1 H.R. gibb. B.S o.s vol 5 pps 314
الصفحة 23
470