كتاب في الأدب الحديث (اسم الجزء: 2)

وظلت سوءات الإنجليز في تعليم الشعب المصري تؤتي ثمارها البغيضة، حتى بعد أن تولى المصريون شئون التعليم، إذ لم يكن من الميسور أن نتخلص من أوضار هذه العهد دفعة واحدة، وقد ظل أكثر من ثلاثين عامًا، وسادت نظمه وقوانينه جميع مراحل التعليم؛ لأن الجيل الذي تربى على أيديهم صار يملك قيادة المصريون في التعليم، ويوجههم تلك الوجهة التي تربى عليها في صغره؛ لأن الفساد كان أعظم من أن يزول في سنوات معدودات، ولذلك ظلت آثامه ردحًا غير قليل من الزمن تسيطر على المدرسة المصرية، وفي ذلك يقول الدكتور طه حسين: "وهناك التعليم الرسمي المدني تنشئه الدولة وتقوم عليه، وقد كان إلى الآن متواضعًا هين الأمر، يقصد به أغراض متواضعة هينة، وقد رسم له الإنجليز طريقة محدودة ضيقة، فأفسدوه وأفسدوا نتائجه وآثاره أشد الفساد ونحن نبذل منذ أعوام جهودًا مختلفة مضطربة لإصلاح ما أفسد الإنجليز، فلا نكاد نوفق في بعض الأمور، حتى تعدو العاديات فتردنا إلى الإخفاق والخذلان"1.
وشكت الجامعة مر الشكوى من أن طلبتها ليسوا في مستوى ثقافي يمكنهم من الدراسة الجامعية الصحيحة؛ ولأنهم ليسوا في مستوى عقلي يخلق منهم علماء أجلاء لديهم قوة الابتكار، وحرية الفكرة، والاستقلال في الرأي، وإليك ما يقوله نجيب الهلالي "باشا" في تقريره عن التعليم الثانوي سنة 1935: "ذلك إلى أن جميع المعاهد تشكو من أن الطلبة لا تتحقق فيهم الصفات المطلوبة للدراسة العالية، من حيث روح التعقل، وقوة الملاحظة، والاعتماد على النفس، وحب البحث، حتى إنهم يضرون أساتذتهم إلى إملاء الدروس عليهم إملاء. مما يعوق الدراسة العالية في صورتها الكاملة"2.
ويقول الدكتور طه حسين: "فما زال الشبان يأتون إلى الجماعة ضعافًا قاصرين، وما زال الشبان يستقبلون حياتهم جاهلين لها، عاجزين عن التصرف فيها، ضعافًا عن أن ينهضوا بأعبائهم: يذهبون إلى الدواوين موظفين فتشكو
__________
1 الدكتور طه حسين في كتابه مستقبل الثقافة في مصر ص 72 سنة 1938.
2 تقرير الهلالي "باشا" ص 1- 2.

الصفحة 28