كتاب في الأدب الحديث (اسم الجزء: 2)
وصور بيانه من كناية واستعارة وتشبيه ومجاز، وفي موضوعاته. ولم يستخدموا اللغة التي أحاطوا بمفرداتها في أغراض عصرهم، وتصوير بيئتهم، والتعبير عن خلجات نفوسهم، وهزات مشاعرهم، في صور من البيان جديدة مستمدة من بيئتهم الحضرية. وهزات مشاعرهم، في صور من البيان جديدة مستمدة من بيئتهم الحضرية. ومدنيتهم الحديثة، وإنما احتذوا حذو الشعراء الأقدمين في كل شيء وعارضوهم في مشهورات قصائدهم1.
وإذا كان المديح، والتهاني، والرثاء، من خير ما ورثناه عن الشعر العربي القديم، وإذا كان الشعراء الذين سلكوا هذا الطريق خلدوا في الأدب العربي؛ فما ذلك إلا لأن عصرهم كان يمجد هذا النوع من الأدب، ولأن الحياة الاجتماعية كلها تدور حول الأمير، بيده السلطات: الدينية والدنيوية، وهو ووزراؤه. وأهل بيته أصحاب الجاه والمال، وهو المتصرف المطلق في حياة الشعبِ، إن كان صالحًا سار فيهم بكتاب الله وسنة رسوله، وحكم بالعدل. إن كان فاسدًا ذاقوا على يديه، وعلى أيدي ولاته ضروب الذلة والمهانة، فلا بدع إذا أغدق الشعراء على هذا الأمير الثناء؛ ليحرضوه على فعل الخير، وليرسموا له الطريق الصالحة التي تسعد الشعب وتسعدهم2.
ولولا خلال سنها الشعر ما درى ... بناة العلاء من أين تؤتي المكارم
وبذلك كان الأدب في العصور الإسلامية السابقة أدبًا أرستقراطيًا. أما نحن فقد تغيرت بنا صروف الزمن، ولم يعد الأمير هو كل شيء في حياتنا، وصارت للشعب حقوق يجب أن تحترم، وآمال لا بد أن تتحقق، وصارت الأمة تنادي بأنها مصدر السلطان، ولم يعد الأمير وحاشيته ووزراؤه هم مصدر المال دون سواهم، بل تعددت سبل الكسب أمام الشعراء فلا معذرة لهم.
لم يفطن أدباؤنا إلى كل ذلك، بل نقلوا إلينا الأدب القديم في كل صوره، وعارضوا كبار الشعراء في العصر العباسي، أمثال أبي تمام، والبحتري، والمتنبي، فجاءت قصائدهم في كثير من معانيها وألفاظها بياتها وصور بيانها متأثرة بقصائد الأولين.
__________
1 الدكتور طه حسين في كتابه مستقبل الثقافة في مصر ص 72 سنة 1938.
2 تقرير الهلالي "باشا" ص 1- 2.
الصفحة 33
470