كتاب في الأدب الحديث (اسم الجزء: 2)

تمن علينا اليوم أن أخصب الثرى ... وأن أصبح المصري حرًّا منعمًا
أعد عهد إسماعيل جلدًا وسخرة ... فإني رأيت لمن أنكى وآلمًا
عملتم على عز الجماد وذلنا ... فأعليتم طينًا وأرخصتم دمًا
إذا أخضبت أرض وأجدب أهلها ... فلا أطلعت نبتًا ولا جادها السما
وإلى أن يقول مودعًا ومشيرًا إلى مأساة التعليم على عهده:
يناديك قد أزريت بالعلم والحجا ... ولم تبق للتعليم يا لرْد معهدًا
وأنك أحصبت البلاد تعمدا ... وأجديت في مصر العقول تعمدا
وأودعت تقرير الوداع مغامرًا ... رأينا جفاء الطبع فيها مجسدًا
يناديك: أين النابغون بعهدكم ... وأي بناء شامخ قد تحددًا
فما عهد إسماعيل والعيش ضيق ... بأجدب من عهد لكم سال عسجدًا
وليس هذا كل ما جناه كرومر على عقول المصريين، فمساعيه في نشر الثقافة الإنجليزية في البلاد عنوة وفرض اللغة الإنجليزية على البلاد قسرًا قد جعلت عهده من أسوأ العهود التي مرت على مصر العربية الإسلامية.
راع كرومر حينما فكر في نشر الثقافة الإنجليزية ذلك البناء الضخم من الثقافة الفرنسية الذي شيدته همم الإرساليات التبشيرية، البعثات العلمانية، وتشجيع الحكومة الفرنسية وأموال رجال الاقتصاد والأعمال من أهل فرنسا، وهالته كثرة المدارس الفرنسية بمصر، وحماس هؤلاء الذين تعلموا بها، أو في فرنسا ذاتها لنشر اللغة الفرنسية بمصر، وحماس هؤلاء الذين تعلموا بها، أو في فرنسا ذاتها لنشر اللغة الفرنسية، وآدابها، ورأى أن الفرنسيين قد بذلوا غاية جهدهم لمساعدة هؤلاء الذين يتخرجون في مدارسهم فاشترطوا على الإنجليز -أول سني الاحتلال- أن يظل لهم النفوذ الأول ببعض المصالح الحكومية، كما كان قبل الاحتلال، فخلصت لهم إدارة مصلحة الآثار المصرية، التي أشرفوا عليها منذ أن اكتشف "حجر رشيد". وخلصت لهم كذلك إدارة مدرسة الحقوق، واستولوا بأموالهم وقروضهم وشركاتهم، ومؤسساتهم التجارية على أكثر من نصف المصالح الاقتصادية والأموال المنقولة بمصر1 ووجد الشبان المصريون
__________
1 جاء في تقرير لجنة الشئون الخاريجة بمجلس النواب الفرنسي حين عرضت عليه معاهدة "منترو" لإلغاء الامتيازات الأجنبية بمصر. أن رءوس الأموال الأجنبية بها تبلغ 50 مليارًا من الفرنكات من مجموع ما فيها من رءوس الأموال المنقولة وقدره 55 مليارًا وأن للفرنسيين وحدهم من الأموال التي يملكها الأجانب 30 مليارًا من الفرنكات "الأهرام 10 يونيو 1938".

الصفحة 36