كتاب في الأدب الحديث (اسم الجزء: 2)
والأجانب الذين يتخرجون في مدارسهم مجال العمل فسيحًا في شركاتهم ومؤسساتهم الاقتصادية والمالية كما ذكرنا آنفًا.
ولانتشار نفوذهم بين الأجانب وإقبالهم على مدارسهم صارت اللغة الفرنسية هي لغة المعاملات التجارية سواء بين الأجانب بعضهم وبعض أو بينهم وبين المصريين، واضطرت المحاكم المختلطة أن تصدر تسعة أعشار أحكامها باللغة الفرنسية، فضلًا عن المواطنين الذين يجب عليهم أن يحسنوا هذه اللغة ليتعاملوا مع جمهور المتقاضين.
وعلى الرغم من الاحتلال الإنجليزي، وطول أمده. والمحاولات التي بذلها كرومر، وبذلها "دانلوب" من بعده فقد ظلت اللغة الفرنسية هي اللغة الأولى في السوق المصرية ردحًا طويلًا وظلت كذلك لغة التخاطب بين الأجانب المختلفي الجنسية المقيمين بمصر. لقد استجابت فرنسا والفرنسيون لنصيحة نابليون التي يقول فيها: "علموا اللغة الفرنسية ففي تعليمها خدمة الوطن الحقيقية".
رأى كرومر المستعمر الإنجليزي الأول كل هذا النفوذ للثقافة الفرنسية، ورأى أن قدم الاحتلال لن تطمئن بهذه الديار إلا إذا عمل على إضعاف هذا النفوذ الفرنسي المكين ومكن للغة الإنجليزية، وأجبر المصريين على قبولها لغة أجنبية لها المكانة الأولى في البلاد وقد سلك في تحقيق هذه الغاية عدة طرق منها:
الكف عن إرسال البعثات إلى أوربا بعامة، وفرنسا بخاصة؛ لأنه رأى رأى العين ما قدمه رجال البعثات لوطنهم من أياد بيضاء في كل سبيل من سبل النهضة، وكل باب من أبواب القوة، منذ عصر محمد علي حتى زمن الاحتلال المشئوم، وأن هؤلاء الرجال الذين اختيروا من صميم الريف صاروا فيما بعد القادة المفكرين، والعلماء الناصحين، والساسة القادرين، وأنهم نهضوا باللغة العربية نهضة عظيمة فدبت فيها روح الحياة، وأخذت تستعيد سابق قوتها بترجمة كثير من الكتب العلمية في الطب والهندسة، والحيل "الميكانيكا"؛ والرياضة والقانون والجغرافيا والتاريخ، والاجتماع والاقتصاد وغير ذلك على النحو الذي فصلناه في الجزء الأول من هذا الكتاب.
الصفحة 37
470