كتاب في الأدب الحديث (اسم الجزء: 2)

النهائي لدار العلوم، وقدم تقريرًا لناظر المعارف عن حال المدرسة جاء فيه: "وإني أنتهز الفرصة للتصريح بمكانة هذه المدرسة في نفسي، وما أعتقد من منزلتها في البلاد المصرية، ومن اللغة العربية، وإن الناس لا يزالون يذكرون اللغة العربية، وإهمال أهلها في تقويمها، يوجهون اللوم للحكومة لعدم عنايتها بأمرها، ولم أسمعهم قط ينصفون هذه المدرسة ولا يذكرونها من حسنات الحكومة فإن باحثًا مدققًا إذا أراد أن يعرف أين تموت اللغة العربية وأين تحيا، وجدها تموت في كل مكان، ووجدها تحيا في هذا المكان".
حقًّا إن اللغة العربية في هذه الحقبة كانت تموت في كل مكان، وتحيا في دار العلوم، ولكن ماذا عساه تقدمه دار العلوم وحدها للغة العربية، والمدارس مصبوغة صبغة أجنبية، وإنجلترا تحاول أن تبدل لسان المصريين العربي إلى لسان إنجليزي، وبيدها السلطان، ووظائف الدولة، وأبناؤها هم رؤساء المصالح وذوو النفوذ فيها؟ إذ كان ثمة خير قدمته دار العلوم في هذه الحقبة للغة العربية فهو حفظها اللغة العربية من الضياع، حتى أتيح لها أن تنهض فيما بعد نهضته قوية فارعة بعد أن تخلصنا من تلك السياسة الاستعمارية المشئومة.
ولكن هل نجح الإنجليز حقًّا في إماتة اللغة العربية في كل مكان؟ إذا كانوا قد حاولوا أن يخرجوا جيلًا من المصريين يحذق لغتهم أكثر مما يجيد لغته في المدارس المصرية، فإن الجيل الماضي كان قوي التأثير في الجمهور، وهو المسيطر على الصحافة، والصحافة مدرسة عامة، ولذلك شن الإنجليز حملة شعواء على اللغة العربية الفصحى، وحاولوا أن يقنعوا المصريين بأن سبب تأخرهم في ميدان الحياة. وتخلفهم عن الأوربيين في الابتكار الأدبي والعلمي يرجع إلى تمسكهم بلغة القرآن، والأساليب العربية القديمة. وأن الأولى لهم أن ينهضوا باللغة العامية حتى يسايروا ركب الحضارةِ، فهي لغة حية، دائمة التجديد، ويفهمها جمهور الشعب، ولا نهضة لأمة إلا إذا نهض سواد الشعب فيها، وفهم ما يكتبه العلماء والأدباء، ولن يفهم هذا إلا إذا كانت الكتابة باللغة العامية.
استمع لأحد دعاتهم وهو السير "ويليام ولكوكس" في خطبته التي ألقاها في نادي الأزبكية سنة 1893، والتي جعل عنوانها، لم لم توجد قوة الاختراع

الصفحة 44