القرنين، وكل طريق واد بين الصدفين، وكل قنطرة قنطرة خرازاذ1، أو قنطرة البردان2 ببغداد، وكل قصر قصر المشتهي3، وكل كنيسة كنيسة الراها4.
وهاك مثلًا آخر يريك ولوعه بضرب الأمثال والإشارات التاريخية والأدبية، وإن لم تفد فائدة جديدة في إيضاح المعنى، وإنما ساقها للتعالم، وعلى طريقة المقامات "وإذا هو أجود من حاتم5، وأبا أي من حنيف الحناتم6 وأحزم من سنان7، وأعدل من الميزان وأحمى من مجير الظعن8، وأعقل من ابن تقن وأحيا من كعاب9، وأحلم من فرخ عقاب10 وأجمل من ذي العمامه11، وأثر من كعب بن مامة12، وأجسر من قاتل عقبة13، وأحكم من هرم بن قطبة14، وأبطش من دوسر15 وأجرأ من قسور16.
__________
1 قنطرة خرازاذ: منسوبة إلى خرازاذ أم أرادشير، وهي بسمرقند بين "إيدج والرباط" وكانوا يعدونها قديمًا من عجائب الدنيا؛ لأن طولها ألف ذراع وعلوها مائة وخمسون، وأكرها مبنى بالرصاص والحديد.
2 قنطرة البردان: نسبة إلى قرية قريبة من بغداد على سبعة فراسخ، وفيها يقول جحظة:
في رقة البردان بين مزارع ... مجنوفة ببنفسج وبهار
بلد يشبه صيفه بخريفه ... رطب الأصائل بارد الأسحار
3 وقصر المشتهي: أحد القصور التي أعدها الفاطميون للنزهة بمصر.
4 كنيسةالرها: نسبة إلى مدينة الرها -بالجزيرة بين الموصل والشام.
5 هو حاتم الطائي الجواد المشهور، وقد ذكرنا قصص جوده في كتابنا "الفتوة عند العرب" ووضعنا له صورة تاريخية واضحة بعنوان "فتى كريم" ص382 ط ثالثة.
6 أباى: من البأى وهو الفخر، وقد بلغ من فخر حنيف وزهوه أنه لم يكن يكلم أحدًا حتى يبدأه بالكلام.
7 سنان: هو سنان بن أبي حارثة، وقيل لم يجتمع الحزم والحلم في رجل فسار بهما المثل إلا في سنان.
8 مجير الظعن: والظعن جمع ظعينة وهي المرأة في هودجها ومجير الظعن هو ربيعة بن مكدم وقد وضعنا له صورة كاملة زاهية في كتابنا "الفتوة عند العرب"بعنوان "حامي الظعينة" ص342 ط ثالثة.
9 ابن تقن: يقال إنه من قوم "عاد"، وقد أراد لقمان أن يشتري إبلا له أعجبته، فامتنع ابن تقن عن البيع، فاحتال لقمان لسرقتها، فلم يتمكن لفرط حذره وفيه قال الشاعر:
تجمع إن كنت ابن تقن فطانة ... وتغبن أحيانًا هنات دواهيًا
فضرب بعقله المثل.
الكتاب: الفتاة الناهد، وتكون عادة أشد حياء من غيرها من النساء الكبيرات.
10 أحلم من فراخ عقاب. ذكر الأصمعي أنه سمع أعرابيًّا يقول: "سنان بن حارثة أحلم من فرخ عقاب" فقال له وما حلمه: قال. يخرج من بيضة على رأس تبق، فلا يتحرك حتى يقر ريشه، ولو تحرك سقط، فضرب به المثل.
11 ذو العمامة: هو سعيد بن العاص بن أمية، وكان في الجاهلية إذا لبس العمامة لا يلبس قرشي عمامة على لونها، وإذا خرج لم تبق امرأة إلا برزت للنظر إليه من جماله ولما أقضت الخلافة إلى عبد الملك بن مروان خطب بنت سعيد إلى أخيها عمرو بن سعيد الأشدق فأجابه عمرو بقوله:
فتاة أبوها ذو العمامة وابنه ... أخوها فما أكفاؤها بكثير
ويصح أن يكون هذا اللقب لرياسته لا لجماله، وكان يلقب كذلك بذي العصابة.
12 كعب بن مامة الإيادي: جواد مشهور ذكرنا قصة إيثارة، حتى ضحى بنفسه في سبيل غيره في كتابنا: "الفتوة عند العرب" في باب الكرم ص184 ط ثالثة.
13 عقبة: هو عقبة بن سلم من بني هناءة من أهل اليمن وكان أبو جعفر المنصور، قد وجهه إلى البحرين، وأهلها من ربيعة، فقتل منهم خلقًا كثيرًا، وانضم إلى خدمته رجل من عبد قيس لازمه سنتين فلما عزل عقبة ورجع إلى بغداد رحل معه العبدي، وبينما عقبة واقف بباب المهدي، بعد موت أبي جعفر وجأه العبدي بسكين في بطنه فقتله أخذًا بثأرقومه. فضرب بجسارته المثل؛ لأن عقبة كان مهيبًا جدًّا.
14 هرم بن قطبة: هو الذي تحاكم إليه عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة الجعفر بأن، فقال لهما: أنتما كركبتي البعير تقعان معًا، ولم يفضل أحدهما على الآخر فضرب به المثل.
15 الدوسر: الجمع الضخم أو الأسد الصلب والدوسر كان يطلق على كتيبة النعمان بن المنذر وبها يضرب المثل.
16 القسور والقسورة: الأسد وجرأته معروفة.