كتاب في الأدب الحديث (اسم الجزء: 2)

من غلاة الاستعمار الإنجليزي يعلمون أن العربية لغة القرآن، ولغة الشعوب العربية الممتدة من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي، وأنها تربط بينهم برباط وثيق يحمل أمجادهم وتاريخهم وأدبهم، وتراث أسلافهم الفكري الذي به يعتزون, والذي يذكرهم بمجد تليد عليهم أن يعلموا على إحيائه وهم في فجر نهضته عقلية، علم هذا، من ثم أخذ يكيد للعربية، ويحاول تمزيق هذه الوشائح المتينة بين العرب، وبينهم وبين دينهم الذي يدعوهم للعزة والإباء والثورة للحرية، وقد فطن قادة الفكر في مصر إلى هذه الدعوة المسمومة التي روج لها باسم الشعب، وباسم فقدان قوة الاختراع والابتكار، فقاوموها مقاومة عنيفة.
ولم يكتف ويلككس بهذا التهجم على العربية، وكان يعتقد كما كان غيره من الأجانب يعتقدون. أن السبب الذي يجعل العامية في مرتبة منحطة، وأن الناس لا يقبلون على تعلمها والاحتفاء بها عدم وجود الكتب الأدبية المؤلفة بالعامية؛ ومن ثم نشط، ونشط غيره ممن يضمر مثل نيته من الأجانب إلى التأليف باللغة العامية، فترجم قطعًا من بعض روايات شكسبير إلى العامية المصرية، قطعة من هاملت، وأخرى من هندي الرابع.
فجاءت ترجمة سخيفة، وفقدت هذه الآثار الأدبية قيمتها وجمالها؛ لأن العامية لم تسعفه بالتعبير الصحيح، ولم تستطع أن تنهض بتلك المواقف الخالدة العنيفة1 بل جاءت عبارتها سوقية مبتذلة.
وترجم كذلك بعض فصول من الإنجيل إلى اللغة العامية فأساء إساءة كبرى إلى الإنجيل؛ لأن عبارته فيه كانت تتهالك ركاكة وغثاثة وسوقية2.
ثم ألف كتابًا علميًّا باللغة العامية هو كتاب "الأكل والإيمان"3 ليبرهن على أن اللغة العامية صالحة؛ لأن تكون لغة العلم: فخالته العامية، ولجأ في كثير من تعابيره إلى الفصحى لتمده بالكلمة الصحيحة، وقد ساقه في صيغة حوار بين تلميذ يسأل وأستاذ يجيب.
__________
1 راجع مجلة الأزهر العدد الخامس -السنة السادسة 1893.
2 طبعت هذه الترجمة على نفقة "الجمعية البريطانية لنشر الكتب المقدسة".
3 نشر هذا الكتاب سنة 1929.

الصفحة 46