كتاب في الأدب الحديث (اسم الجزء: 2)

وكفان كانا كالفرات ودجلة ... يريشان من خصا بجود ومن عما
وعلم هو اليم الذي قد تنورت ... أواذيه الوراد فاستصغروا اليما
وبطش لمن عاداه تحسب أنه ... شهاب هوى في إثر عفرية رجما
وصدر هو الدهناء في الأزم فسحة ... وليلة سر عند إسرافه كتما
وقول عريق في الفصاحة لوغدت ... تساجله عرب إذا أصبحوا عجمًا
وعدل هو العدل الذي قد قضى به ... أبو حفص الفاروق في طيبة حكما
فهذا أبي من بيت تيم بن مرة ... إلى نضد من هاشم يفرع النجما
وما ذاك في مديحه شعر ... وإنما خلائقة در أجدت له نظمًا
هذا يقف وقفة على قبور آل الصديق يتذكر فيه أمجادهم، فتأسى نفسه لما أصابهم.
وإما تراءت هيلت النفس عندها ... قشعريرة للهيب أو وجمت وجما
أهيل على مثل العوالي ترابها ... ووارت لدى إطباقها الدين والعلما
على أن البكري أشعر ما تراه في مقطوعاته الصغيرة، وقد ضمنها بعض الحكم والأفكار الجديدة، والخطرات العارضة، فمن ذلك قوله في ظلم السادة للرعية، وفي هيبة الناس الملوك وخشيتهم إياهم مع أنهم هم الذين ملكوهم.
لا تتعجبوا للظلم يغشى أمة ... فتنوء منه بفادح الأثقال
ظلم الرعية كالعقاب لجهلها ... ألم المريض عقوبة الإهمال
وقوله في هذا الغرض كذلك:
والناس يخشون من بطش المليك به ... وما له دونهم بأس ولا جاه
كصانع صنمًا يومًا على يده ... وبعد ذلك يرجوه ويخشاه
فهو وإن نظر إلى قول المعري:

الصفحة 469