كتاب في الأدب الحديث (اسم الجزء: 2)

وأخذ سلامة موسى يدعو كما دعا ولككس إلى اتخاذ العامية لغة للكتابة بدعوى أن الفصحى فيها صعوبة. يعانيها الخاصة أكثر مما يعانيها العامة، وأنها عاجزة عن تأدية الرسالة الأدبية والعلمية ويقول: "ولكن نكبتنا الحقيقية هي أن اللغة العربية لا تخدم الأدب المصري ولا تنهض به؛ لأن الأدب هو مجهود الأمة وثمرة ذكائها وابن تربتها ووليد بيئتها، فهو لا يزكو إلا إذا كانت أدائه لغة هذه البيئة التي نبت فيها".
ويزعم كذلك أن الفصحى: "تبعثر وطنيتنا المصرية وتجعلها شائعة في القومية العربية فالمتعمق في اللغة الفصحى يشرب روح العرب ويعجب بأبطال بغداد بدلًا من أن يشرب الروح المصرية ويدرس تاريخ مصر، فنظره متجه أبدًا نحو الشرق، وثقافته كلها عربية شرقية -وليس من مصلحة الأمة المصرية أن ينزع شبابها نحو الشرق".
ثم راح يثني على ولككس، ولكنه رأى أن الانتقال إلى العامية فيه طفرة ولم يحن الوقت بعد لأن نخطو هذه الخطوة الواجبة، ولا بد من "تسوية" بين العامية والفصحى، فاقترح عدة اقتراحات عجيبة تفضي في مجموعها إلى تشويه الفصحى وإفسادها كاقتراحه إلغاء الألف والنون من المثنى والواو والنون من جمع المذكر السالم، وإلغاء التصغير وجمع التكسير، وإلغاء الإعراب والإكتفاء بتسكين أواخر الكلمات، وإدخال الكلمات الأعجمية "الأوربية كما هي"1. وهذه اقتراحات تدل على كراهية مقيتة للغة العربية وكل ما تحمله من تاريخ وأدب ودين وقومية، وهذا ما كان يريده المستعمرون حتى يتقطع ما بيننا وبين تراثنا الفكري الخالد وبيننا وبين ديننا، ومن ثم نمسخ مسخًا ونقبل على الثقافة الإنجليزية ونتشرب روحها وروح الإنجليز معها، فلنرضى بالاستعمار والمذلة والعار في فرح ومسرة واطمئنان.
ولقد لفتت هذه المشكلة كذلك نظر مستر "مان"2 حين بحث أمور التعليم في مصر، فجاء في تقريره: إن الطفل المصري عندما يبدأ دراسته بالمدرسة
__________
1 راجع نص المقال في مجلة الهلال أول يوليو 1926 تحت عنوان "اللغة الفصحى واللغة العامية ورأي السير ولككس".
2 تقرير مستر "مان" ص 59.

الصفحة 48