كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 2)

أَوْ بَعْضُهُمْ صُمًّا، فَوَجْهَانِ. الصَّحِيحُ: لَا تَصِحُّ، كَمَا لَوْ بَعُدُوا. وَالثَّانِي: تَصِحُّ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا، فَكَلَّمَهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ، فَلَمْ يَسْمَعْ لِصَمَمِهِ، حَنِثَ، وَكَمَا لَوْ سَمِعُوا الْخُطْبَةَ، وَلَمْ يَفْهَمُوا مَعْنَاهَا، فَإِنَّهَا تَصِحُّ.
وَيَنْبَغِي لِلْقَوْمِ أَنْ يُقْبِلُوا بِوُجُوهِهِمْ إِلَى الْإِمَامِ، وَيُنْصِتُوا، وَيَسْمَعُوا. وَالْإِنْصَاتُ: هُوَ السُّكُوتُ. وَالِاسْتِمَاعُ: هُوَ شَغْلُ السَّمْعِ بِالسَّمَاعِ. وَهَلِ الْإِنْصَاتُ فَرْضٌ، وَالْكَلَامُ حَرَامٌ؟ فِيهِ قَوْلَانِ. الْقَدِيمُ وَ (الْإِمْلَاءُ) : وُجُوبُ الْإِنْصَاتِ، وَتَحْرِيمُ الْكَلَامِ. وَالْجَدِيدُ: أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَالْكَلَامُ لَيْسَ بِحَرَامٍ. وَقِيلَ: يَجِبُ الْإِنْصَاتُ قَطْعًا. وَالْجُمْهُورُ أَثْبَتُوا الْقَوْلَيْنِ. وَهَلْ يَحْرُمُ الْكَلَامُ عَلَى الْخَطِيبِ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ. الْمَذْهَبُ: لَا يَحْرُمُ قَطْعًا. وَالثَّانِي: عَلَى الْقَوْلَيْنِ. ثُمَّ جَمِيعُ هَذَا الْخِلَافِ فِي الْكَلَامِ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ مُهِمٌّ نَاجِزٌ. فَأَمَّا إِذَا رَأَى أَعْمَى يَقَعُ فِي بِئْرٍ، أَوْ عَقْرَبًا تَدِبُّ عَلَى إِنْسَانٍ، فَأَنْذَرَهُ، أَوْ عَلَّمَ إِنْسَانًا شَيْئًا مِنَ الْخَيْرِ، أَوْ نَهَاهُ عَنْ مُنْكَرٍ، فَهَذَا لَيْسَ بِحَرَامٍ بِلَا خِلَافٍ. نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهِ. لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْإِشَارَةِ، وَلَا يَتَكَلَّمَ مَا أَمْكَنَ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ. هَذَا كُلُّهُ فِي الْكَلَامِ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ.
وَيَجُوزُ الْكَلَامُ قَبْلَ ابْتِدَاءِ الْإِمَامِ بِالْخُطْبَةِ، وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُمَا. فَأَمَّا فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ، فَطَرِيقَانِ، قَطَعَ صَاحِبُ (الْمُهَذَّبِ) وَالْغَزَّالِيُّ، بِالْجَوَازِ. وَأَجْرَى الْمَحَامِلِيُّ، وَابْنُ الصَّبَّاغِ، وَآخَرُونَ فِيهِ الْخِلَافَ.
وَيَجُوزُ لِلدَّاخِلِ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ، أَنْ يَتَكَلَّمَ مَا لَمْ يَأْخُذْ لِنَفْسِهِ مَكَانًا. وَالْقَوْلَانِ فِيمَا بَعْدَ قُعُودِهِ.

فَرْعٌ
إِذَا قُلْنَا بِالْقَدِيمِ، فَيَنْبَغِي لِلدَّاخِلِ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ، أَنْ لَا يُسَلِّمَ، فَإِنْ سَلَّمَ، حَرُمَتْ إِجَابَتُهُ بِاللَّفْظِ، وَيُسْتَحَبُّ بِالْإِشَارَةِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ. وَفِي تَشْمِيتِ

الصفحة 28