كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 2)

الْعَاطِسِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ: تَحْرِيمُهُ، كَرَدِّ السَّلَامِ. وَالثَّانِي: اسْتِحْبَابُهُ. وَالثَّالِثُ: يَجُوزُ وَلَا يُسْتَحَبُّ. وَلَنَا وَجْهٌ: أَنَّهُ يَرُدُّ السَّلَامَ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ، وَلَا يُشَمِّتِ الْعَاطِسَ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ. فَلَا يُتْرَكُ لَهَا الْإِنْصَاتُ الْوَاجِبُ. وَفِي وُجُوبِ الْإِنْصَاتِ عَلَى مَنْ لَا يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ، وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالذِّكْرِ، وَالتِّلَاوَةِ. وَأَصَحُّهُمَا: يَجِبُ، نَصَّ عَلَيْهِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ. وَقَالُوا: الْبَعِيدُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْإِنْصَاتِ، وَبَيْنَ الذِّكْرِ وَالتِّلَاوَةِ. وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ كَلَامُ الْآدَمِيِّينَ، كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْقَرِيبِ. هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَدِيمِ. فَأَمَّا إِذَا قُلْنَا بِالْجَدِيدِ، فَيَجُوزُ رَدُّ السَّلَامِ، وَالتَّشْمِيتُ بِلَا خِلَافٍ. ثُمَّ فِي رَدِّ السَّلَامِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَصَحُّهَا عِنْدَ صَاحِبِ (التَّهْذِيبِ) : وُجُوبُهُ. وَالثَّانِي: اسْتِحْبَابُهُ. وَالثَّالِثُ: جَوَازُهُ بِلَا اسْتِحْبَابٍ. وَقَطَعَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الرَّدُّ. وَالْأَصَحُّ: اسْتِحْبَابُ التَّشْمِيتِ. وَحَيْثُ حَرَّمْنَا الْكَلَامَ فَتَكَلَّمَ، أَثِمَ، وَلَا تَبْطُلُ جُمُعَتُهُ بِلَا خِلَافٍ.
فَرْعٌ
قَالَ الْغَزَّالِيُّ: هَلْ يَحْرُمُ الْكَلَامُ عَلَى مَنْ عَدَا الْأَرْبَعِينَ؟ فِيهِ الْقَوْلَانِ. وَهَذَا التَّقْدِيرُ بَعِيدٌ فِي نَفْسِهِ، وَمُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ. أَمَّا بُعْدُهُ فِي نَفْسِهِ، فَلِأَنَّ كَلَامَهُ مَفْرُوضٌ فِي السَّامِعِينَ لِلْخُطْبَةِ. وَإِذَا حَضَرَ جَمَاعَةٌ يَزِيدُونَ عَلَى أَرْبَعِينَ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِأَرْبَعِينَ مِنْهُمْ عَلَى التَّعْيِينِ، فَيَحْرُمُ الْكَلَامُ عَلَيْهِمْ قَطْعًا. وَالْخِلَافُ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ، بَلِ الْوَجْهُ: الْحُكْمُ بِانْعِقَادِ الْجُمُعَةِ بِهِمْ، أَوْ بِأَرْبَعِينَ مِنْهُمْ لَا عَلَى التَّعْيِينِ. وَأَمَّا مُخَالَفَتُهُ لِنَقْلِ الْأَصْحَابِ، فَإِنَّكَ لَا تَجِدُ لِلْأَصْحَابِ إِلَّا إِطْلَاقَ قَوْلَيْنِ فِي السَّامِعِينَ، وَوَجْهَيْنِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ كَمَا سَبَقَ.

الصفحة 29