كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 2)

فَرْعٌ: مِنَ الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ، أَغْسَالُ الْحَجِّ، وَغُسْلُ الْعِيدَيْنِ، وَيَأْتِي فِي مَوَاضِعِهَا - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -. وَأَمَّا الْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ، فَفِيهِ قَوْلَانِ. الْقَدِيمُ: أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَكَذَا الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّهِ. وَالْجَدِيدُ: اسْتِحْبَابُهُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ. فَعَلَى هَذَا، غُسْلُ الْجُمُعَةِ، وَالْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ، آكَدُ الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ، وَأَيُّهُمَا آكَدُ؟ قَوْلَانِ. الْجَدِيدُ: الْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ آكَدُ. وَالْقَدِيمُ: غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ صَاحِبِ (التَّهْذِيبِ) ، وَالرُّويَانِيِّ، وَالْأَكْثَرِينَ. وَرَجَّحَ صَاحِبُ (الْمُهَذَّبِ) وَآخَرُونَ الْجَدِيدَ. وَفِي وَجْهٍ: هُمَا سَوَاءٌ.
قُلْتُ: الصَّوَابُ، الْجَزْمُ بِتَرْجِيحِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ، لِكَثْرَةِ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ. وَفِيهَا الْحَثُّ الْعَظِيمُ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ) وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ) . وَأَمَّا الْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ، فَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ شَيْءٌ أَصْلًا. ثُمَّ مِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ، وَلَوْ حَضَرَ إِنْسَانٌ مَعَهُ مَاءٌ، يَدْفَعُهُ لِأَحْوَجِ النَّاسِ وَهُنَاكَ رَجُلَانِ، أَحَدُهُمَا يُرِيدُهُ لِغُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَالْآخَرُ لِلْغُسْلِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَأَمَّا الْكَافِرُ إِذَا أَسْلَمَ، فَإِنْ كَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ غُسْلٌ بِجَنَابَةٍ، أَوْ حَيْضٍ، لَزِمَهُ الْغُسْلُ وَلَا يُجْزِئُهُ غُسْلُهُ فِي الْكُفْرِ عَلَى الْأَصَحِّ، كَمَا سَبَقَ فِي مَوْضِعِهِ. وَإِلَّا، اسْتُحِبَّ لَهُ الْغُسْلُ لِلْإِسْلَامِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: يَجِبُ. وَوَقْتُ الْغُسْلِ، بَعْدَ الْإِسْلَامِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ: يَغْتَسِلُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ.
قُلْتُ: هَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ صَرِيحٌ، وَالْعَجَبُ مِمَّنْ حَكَاهُ، فَكَيْفَ بِمَنْ قَالَهُ،

الصفحة 43