كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 2)

كِتَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ
اعْلَمْ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ أَنَّ الْخَوْفَ يَقْتَضِي صَلَاةً مُسْتَقِلَّةً، كَقَوْلِنَا: صَلَاةُ الْعِيدِ، وَلَا أَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي تَغَيُّرِ قَدْرِ الصَّلَاةِ، وَوَقْتِهَا، كَقَوْلِنَا: صَلَاةُ السَّفَرِ. وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي كَيْفِيَّةِ إِقَامَةِ الْفَرَائِضِ، بَلْ فِي إِقَامَتِهَا بِالْجَمَاعَةِ، وَاحْتِمَالِ أُمُورٍ فِيهَا كَانَتْ لَا تُحْتَمَلُ. ثُمَّ هُوَ فِي الْأَكْثَرِ لَا يُؤَثِّرُ فِي إِقَامَةِ مُطْلَقِ الْفَرَائِضِ، بَلْ فِي إِقَامَتِهَا بِالْجَمَاعَةِ كَمَا نُفَصِّلُهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -. وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: صَلَاةُ الْخَوْفِ مَنْسُوخَةٌ، وَمَذْهَبُنَا: أَنَّهَا بَاقِيَةٌ. وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ.
الْأَوَّلُ: صَلَاةُ بَطْنِ نَخْلٍ.
وَهِيَ: أَنْ يَجْعَلَ الْإِمَامُ النَّاسَ فِرْقَتَيْنِ. فِرْقَةً فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَفِرْقَةً يُصَلِّي بِهَا جَمِيعَ الصَّلَاةِ، سَوَاءٌ كَانَ رَكْعَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، أَوْ أَرْبَعًا، فَإِذَا سَلَّمَ بِهِمْ، ذَهَبُوا إِلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الْفِرْقَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ مَرَّةً ثَانِيَةً، تَكُونُ لَهُ نَافِلَةً وَلَهُمْ فَرِيضَةً. وَإِنَّمَا يُنْدَبُ إِلَى هَذِهِ الصَّلَاةِ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَأَنْ يَكُونَ فِي الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ وَالْعَدُوُّ قَلِيلٌ، وَأَنْ يُخَافَ هُجُومُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الصَّلَاةِ. وَهَذِهِ الْأُمُورُ لَيْسَتْ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَجُوزُ بِغَيْرِ خَوْفٍ. وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ الصَّلَاةَ هَكَذَا إِنَّمَا يُنْدَبُ إِلَيْهَا وَتُخْتَارُ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ.

الصفحة 49