وفى الحق أن مخيلته كانت حالمة، إذ ما تزال تبدو له الطبيعة فى رؤى غريبة، وهى رؤى ملأت جوانب ديوانه بتجسيمات وتشخيصات بديعة من مثل قوله:
وريح الخزامى رشّها الطّلّ بعدما … دنا الليل حتى مسّها بالقوادم (¬1)
وقوله:
ألا طرقت مىّ هيوما بذكرها … وأيدى الثّريّا جنّح فى المغارب (¬2)
ومن صوره الطريفة صورته للحرباء ووصفه لما اشتهر به من استقبال الشمس لاجئا بظهره إلى بعض العيدان ماداّ يديه كأنه مصلوب، يقول:
إذا جعل الحرباء يغبرّ لونه … ويخضرّ من لفح الهجير غباغبه (¬3)
ويشبح بالكفّين شبحا كأنه … أخو فجرة عالى به الجذع صالبه (¬4)
وعنى طويلا بوصف همس الفلوات وما يسمع فى حنادسها من أصوات مدوية كانوا ينسبونها إلى الجن، ونراه يشبّهها بتراطن الروم وتضراب الطّبل وصياح الضرائر وأصوات السمر (¬5). ومن أهم ما يميزه عنصر المفاجأة فى صوره، وهو عنصر جعله يقرن الأشياء المتباعدة بعضها إلى بعض، فنصبح وكأننا حقا فى عالم من عوالم الرؤى والأحلام.
6 - الرّجّاز
الرّجز من البحور القديمة فى الشعر العربى، فقد كان يستخدم بكثرة فى العصر الجاهلى، وهى كثرة توكد أنه كان الوزن الشعبىّ العام الذى يدور على
¬_________
(¬1) القوادم: الريش الطويل فى جناح الطائر.
(¬2) الهيوم: ذاهب العقل، وأراد بأيدى الثريا أوائلها.
(¬3) الغباغب: الجلد أسفل الخنك، ومعروف أنه كلما حميت الشمس على الحرباء رأيت جلده يخضر بينما يظل أعلاه أصفر.
(¬4) يشبح: يمد يديه.
(¬5) الحيوان 6/ 175 وما بعدها، 247، 363.