ومنهم إياس بن معاوية قاضى البصرة، وكان يضرب به المثل فى الذكاء وصدق الفراسة (¬1)، ومنهم خالد بن صفوان وشبيب بن شيبة الأهتميان التميميان، وفيهما يقول الجاحظ: «ما علمت أنه كان فى الخطباء أحد كان أجود خطبا من خالد بن صفوان وشبيب بن شيبة للذى يحفظه الناس ويدور على ألسنتهم من كلاهما (¬2)» ويقول فى خالد: «ومن الخطباء المشهورين فى العوام والمقدّمين فى الخواص خالد بن صفوان. . ولكلامه كتاب يدور فى أيدى الورّاقين (¬3)» وقد لحق خالد عصر أبى العباس السفاح، وكان من سمّاره، ويؤثر عنه أنه كان يقول: «احذروا مجانيق الضعفاء يعنى الدعاء (¬4)» ومن قوله: «بتّ ليلتى كلها أتمنى فملأت البحر الأخضر بالذهب الأحمر فإذا الذى يكفينى من ذلك رغيفان وكوزان وطمران (¬5)» وروى له ابن قتيبة موعظة طويلة وعظ بها سليمان ابن عبد الملك وأبكاه (¬6).
ومن كبار وعّاظ العصر وقصّاصه الحسن البصرى، وفيه يقول الجاحظ:
«أما الخطب (الدينية) فإنا لا نعرف أحدا يتقدم الحسن البصرىّ فيها (¬7)» وممن يأتى بعده فى الوعظ عبد الله بن شداد، وهو القائل: «أرى داعى الموت لا يقلع وأرى من مضى لا يرجع (¬8)». ومن كبار القصّاص والوعّاظ الفضل بن عيسى الرقاشى، وكان يسجع فى وعظه (¬9)، ويقول الجاحظ إنه «كان من أخطب الناس وكان متكلما قاصّا مجيدا (¬10)» وهو الذى يقول فى قصصه: «سل الأرض فقل من شقّ أنهارك، وغرس أشجارك، وجنى ثمارك، فإن لم تجبك حوارا أجابتك اعتبارا (¬11)». ومن أشهر الوعاظ وأنبههم واصل (¬12) بن عطاء رأس المعتزلة، وكان أغزر خطباء عصره
¬_________
(¬1) البيان والتبيين 1/ 98 وما بعدها.
(¬2) البيان والتبيين 1/ 317.
(¬3) نفس المصدر 1/ 339 - 340.
(¬4) البيان والتبيين 3/ 274.
(¬5) نفس المصدر 3/ 164 والطمر: الثوب البالى.
(¬6) عيون الأخبار 2/ 341.
(¬7) البيان والتبيين 1/ 354.
(¬8) نفس المصدر 2/ 113.
(¬9) البيان والتبيين 1/ 290.
(¬10) البيان والتبيين 1/ 306.
(¬11) نفس المصدر 1/ 308.
(¬12) انظر فى ترجمة واصل الملل والنحل للشهرستانى ص 31 وما بعدها وأنساب السمعانى وابن خلكان ولسان الميزان 6/ 214.