كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 2)

وقد أنشدنا فى الفصل السابق أبياتا من مرثية أخيه جزء لعمر بن الخطاب، واشتهر أخوهما مزرّد (¬1) بهجائه وخاصة للأضياف، ويظهر أنه ارعوى وتاب عن الهجاء. كما يدل على ذلك قوله (¬2):
تنزّلت من شتم الرجال بتوبة … إلى الله منى لا ينادى وليدها
ومن شعراء هذيل البارعين فى هذا العصر أبو ذؤيب (¬3) الهذلى، وقد قدم المدينة عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف يبكيه مع الباكين قائلا من أبيات (¬4):
كسفت لمصرعه النجوم وبدرها … وتزعزعت آطام بطن الأبطح
وتزعزعت أجبال يثرب كلّها … ونخيلها لحلول خطب مفدح
وهو فى ديوانه يعنى بوصف النّحل، مثله فى ذلك مثل شعراء هذيل، وقد خرج يغزو فى سبيل الله، ونراه فى جنود عبد الله بن سعد بن أبى سرح الذين فتحوا قرطاجنة، وقد أرسل به مع عبد الله بن الزبير إلى عثمان مبشرين له بفتحها. وعاد إلى مصر، ولكن حدث أن توفّى له-قبل وفاته بعام- خمس بنين فى وباء، فرثاهم بعينيته المشهورة وفيها نحسّ رضاه بقضاء الله مع التحسر اللاذع على نحو ما نجد فى قوله (¬5):
أودى بنىّ وأعقبونى غصّة … بعد الرّقاد وعبرة لا تقلع
فغبرت بعدهم بعيش ناصب … وإخال أنى لاحق مستتبع (¬6)
¬_________
(¬1) راجع فى ترجمة مزرد الشعر والشعراء 1/ 274 والخزانة 2/ 117 والإصابة 6/ 85 ومعجم الشعراء ص 483 ومعاهد التنصيص 1/ 202.
(¬2) الإصابة 6/ 85.
(¬3) انظر فى ترجمته ابن سلام ص 110 والشعر والشعراء 2/ 635 والأغانى 6/ 264 والاستيعاب ص 665 والإصابة 7/ 63 والخزانة 1/ 203 وأسد الغابة 5/ 188 ومعاهد التنصيص 1/ 195 ومعجم الأدباء لياقوت (طبع مصر) 11/ 83 وشرح شواهد المغنى 10 والاشتقاق (نشرة الخانجى) ص 178
(¬4) الاستيعاب ص 666.
(¬5) انظر ديوان الهذليين (طبعة دار الكتب المصرية) 1/ 1 وما بعدها.
(¬6) غبرت: بقيت. ناصب: متعب. مستتبع: تابع.

الصفحة 73