كتاب معاني النحو (اسم الجزء: 2)

وإذا لم يكرر المعمول جاز إظهار عاملة اتفاقا (¬1).
وفي هذه المسألة بحث، فإنه عند جمهور النحاة أن حذف الفعل واجب في نحو قولك (إياك من المراء) و (إياك من الكذب) وفي نحو (الكذب والخيانة)، ولكن ألا يصح أن نقول: احذر من المراء، واحذر الكذب والخيانة؟ ألا يصح أن نقول: (احذرك من هذا الأمر) و (أحذرك العقوق والظلم)؟
إن هذه التعبيرات صحيحة بلا شك، وإذا حذفنا الفعل من هذه الجمل كانت من الجمل الواجبة حذف الفعل عند النحاة، فمثلا قولنا (احذرك من المراء) إذا حذفنا الفعل منه، كان (إياك من المراء) و (احذر من هذا الأمر) إذا حذفنا الفعل منه كان (إياك من هذا الأمر)، وإذا حذفنا الفعل من قولنا (احذرك الكذب والخيانة) قلنا (الكذب والخيانة)، فإذا كانت هذه الجمل مع ذكر الفعل صحيحة، فلماذا يقول النحاة أن الحذف واجب؟
أنه يصح أن تقول (احذرك من هذا الأمر) و (إياك من هذا الأمر) قال تعالى: {يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا} [النور: 17]، فذكر فعل التحذير (يعظ) ولو حذفه لكان القول (إياكم ان تعوداو لمثله ابدا) وقال {إني اعظك ان تكون من الجاهلين} [هود: 46]، فذكر فعل التحذير، ولو حذفه لقال: (إياك أن تكون من الجاهلين)، قال: {واتقوا الله الذي تسآءلون به والأرحام} [النساء: 1]، ولو حذفه لقال: (الله والأرحام) .. وقال: (قل أطيعوا الله والرسول) [آل عمران: 32]، ولو حذف فعل الأغراء لكان القول (الله والرسول). وقال {وأوفوا الكيل والميزان} [الأنعام: 152]، ولو حذف فعل الإغراء لقال: الكيل والميزان.
فهذه كلها من أساليب التحذير والإغراء الواجبة حذف الفعل عند النحاة، وقد ذكر الفعل معها فكيف يفسر قول النحاة بوجوب الحذف، مع أن الذكر وارد في القرآن الكريم وفي غيره؟
¬__________
(¬1) الرضي 1/ 196، وانظر سيبويه 1/ 139، التصريح 2/ 195

الصفحة 106