كتاب معاني النحو (اسم الجزء: 2)

إن النحاة صرحوا بجواز الوجهين من دون أن يشيروا إلى اختلاف المعنى، والذي يبدو لي أن بين الوجهين فرقا. وإيضاح ذلك أن لام الابتداء تفيد التوكيد، فقولك (علمت لمحمد مسافر) آكد من قولك (علمت محمدا مسافرا) جاء في (كتاب سيبويه): "ومن ذلك قد علمت لعبد الله خير منك، فهذه اللام تمنع العمل كما تمنع الف الاستفهام، لأنها إنما هي لام الابتداء وإنما أدخلت عليه (علمت) لتؤكد، وتجعله يقينا قد علمته، ولا تحيل على علم غيرك" (¬1).
فدخول اللام أفاد معنى التوكيد وجعلها في التأكيد بمنزلة جواب القسم، بل هي عند الكوفيين لا القسم، والقسم مقدر، (¬2) فإذا عطفت بالرفع، كان المعنى على تقدير اللام فتكون بمنزلة ما قبلها في التوكيد، وإذا نصبت لم يكن المعنى على تقدير اللام، فكانت الجملة المعطوف غير مؤكدة، فقولك (خالد راجع) في (علمت لمحمد مسافر وخالد راجع) مؤكدة بمنزلة المعطوف عليه. أما قولك (علمت لمحمد مسافرٌ وخالدًا راجعًا) فإن الجملة الأولى فيه مؤكدة بخلاف الإسميين المنصوبين، وكذلك في الاستفهام نحو قوله:
وما كنت أدري قبل عزة ما البكا ... ولا موجعات القلب حتى تولت
فالرفع يكون على تقدير الاستفهام والمعنى: ولا أدري ما موجعات القلب، أما النصب فليس على تقدير الاستفهام، وإنما المعنى وما كنت أدري موجعات القلب.
وكذلك لو قلت: (علمت أمحمد حاضر وخالدا غائبا) فإن قولك (علمت أمحمد حاضر) معناه: علمت أهو حاضر أم غائب، ولم تخبر عنه بل تركته لعلمك، وقولك (وخالدا غائبا)، معناه: وعلمت خالدا غائبا، فقد أخبرت عن غياب خالد، ولم تخبر عن حضور محمد.
¬__________
(¬1) سيبويه 1/ 120
(¬2) الرضي على الكافية 2/ 374

الصفحة 40