كتاب معاني النحو (اسم الجزء: 2)

وقال: {يسئلك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات} [النساء: 153].
وهي هنا أيضا بمعنى الآيات الدالة على النبوات والمعجزات، وذلك ظاهر، ألا تراها منتظمة مع سأله أهل الكتاب من الآيات؟ ثم إن اتخاذ العجل كان بعد ظهور الآيات مع السحرة، وانفلاق البحر، وغرق فرعون، وغيرها من الآيات.
في حين استعملها مذكرة في قوله تعالى: {يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات} [آل عمران: 102 - 105].
وذلك لأنها بمعنى الأمر والنهي، أو بمعنى الدين أو حبل الله، وليس بمعنى الآيات الدالة على النبوات، ألا تراها منتظمة في سياق الأمر والنهي، وليس في ساق الآيات والمعجزات؟
فحيث كانت بمعناها المؤنث انثت وحيث كانت بمعنى المذكر ذكرت.
ومن ذلك تأنيث وتذكير (الصيحة) فقال في قوم صالح {وأخذ الذين ظلموا الصيحة} [هود: 67]، بالتذكير، وقال في قوم شعيب: {وأخذت الذين ظلموا الصيحة} [هود: 94]، بالتأنيث وقد ذكر السهيلي أن " الصيحة في قصة صالح في معنى العذاب والخزي، إذ كانت منتظمة بقوله سبحانه وتعالى {ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز} فصارت الصيحة عبارة عن ذلك الخزي وعن العذاب المذكور في الآية فقوي التذكير بخلاف قصة شعيب فإنه لم يذكر فيها ذلك" (¬1).
¬__________
(¬1) بدائع الفوائد 1/ 126، البرهان 3/ 368

الصفحة 67