كتاب معاني النحو (اسم الجزء: 2)

وكل صواب. وقال الله تبارك وتعالى: {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك} [الإسراء: 36]، لقلتهن ولم يقل (تلك)، ولو قيلت كان صوابا" (¬1).
والذي يبدو صواب هذا القول، فقد استعمل القرآن التأنيث أحيانا للدلالة على الكثرة بخلاف التذكير، قال تعالى: {الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسول من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين} [آل عمران: 183].
فقال {قد جاءكم رسل} تذكير الفعل، وقال: {ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق، ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعلمون} [الأعراف: 43]
فأنث الفعل، والفرق واضح بين الأمرين، فإن الأولى خطاب لبني إسرائيل فقال لهم {قد جاءكم رسل} والثانية في رسل الله جميعا، لأن الكلام على لسان أهل الجنة في الآخرة، فالرسل في الآية الثانية أكثر عددا مما في الآية الأولىى، فأنث الفعل للكثرة وذكره للقلة، وقال أيضا {هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذي نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون} [الأعراف: 53].
وهذه الآية نظيرة الآية السابقة فإن الكلام في الآخرة أيضا، فأنث الرسل للدلالة على الكثرة والله أعلم.
وهذا ميدان واسع نكتفي منه بما ذكرنا.
¬__________
(¬1) معاني القرآن 1/ 435

الصفحة 69