كتاب معاني النحو (اسم الجزء: 2)

قالوا وقد يحذف المفعول لاحتقاره، نحو: {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي} [المجادلة: 21]، قالوا أي الكافرين، وأرى أن حذفه علاوة على هذا لاخراجه مخرج العموم فالغلبة عامة له وإن كان المقصود بها الكافرين.
أو للاستهجان، كقول عائشة رضي الله عنها (ما رأيت منه ولا رأى مني) أي العورة.
أو للجهل به في نحو قولك (ولدت فلانة) وأنت لا تدري ما ولدت، إلى غير ذلك من الأغراض (¬1).
2 - ان لا يذكر المفعول (¬2)، وهو غير مراد هو الذي يسميه النحويون (الحذف اقتصارا).
والحقيقة أن هذا ليس من باب الحذف، بل هو أن تقتصر على الحدث وصاحبه من إرادة المفعول، وليس له تقدير ولا نية، وذلك بحسب الحاجة والقصد، فقد تكون الحاجة إلى أن تذكر مفعولين، كقوله تعالى: {إنا أعطيناك الكوثر} [الكوثر: 1]، وكقوله: {آتيناه رحمة من عندنا} [الكهف: 65]، وكقوله هو يكرم السائلين الدنانير ويطعم المحتاجين القوت، ويمنح طلاب العلم الكتب، فقيدت الاكرام والاطعام والمنح بالمعطي والمعطي له.
وقد يتعلق الغرض بذكر مفعول واحد، وذلك نحو قوله تعالى: {ولسوف يعطيك ربك فترضى} [الضحى: 5]، فقد ذكر مفعولا واحد لأنه هو الذي تعلق الغرض بذكره ولم يذكر ما سيعطيه، لأنه لا يتعلق غرض بذكره.
ومن هذا الباب قوله تعالى: {الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة} [المائدة: 55]، وقوله: {الذي يؤتي ماله يتزكى} [الليل: 18]، فلم يذكر لمن يؤتون الزكاة، لأنه لا يتعلق.
¬__________
(¬1) انظر الأشموني 2/ 93 - 94، الصبان: 2/ 94، الهمع 1/ 167، التصريح 1/ 314، البرهان 3/ 162
(¬2) آثرت هذا التعبير هنا على تعبير (حذف المفعول) لأن قولهم (الحذف) مشعر بأن أصله الذكر والحذف طاريء في حين أن الأصل هنا عدم الذكر.

الصفحة 94